أسس النموذج الديني المغربي القابل للانتقال إلى الخارج:
ونوه الدكتور بوصوف خلال حلوله ضيفا على برنامج ضيف الأولى الذي تبثه القناة التلفزية الأولى يوم الثلاثاء 29 ماي 2018 بما سماه « الإيخاء الإيماني » بين المجموعات الدينية في المغرب خصوصا المسلمين واليهود، والذي يتجاوز التعايش إلى التداخل والتآخي، بما أن كلا الديانتين تتمتعان بنفس حقوق المواطنة ولهما نفس الواجبات، وتشتركان ليس فقط في القيم والمبادئ الإنسانية بل حتى في الأولياء الصالحين المشتركين، وهي المبادئ التي يضمنها في الكثير من المناسبات أمير المؤمنين باعتباره الضامن للأمن الروحي لكافة المؤمنين ولحرية المعتقد، وأكدتها الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
كما أشاد بوصوف في نفس الصدد بالتوليفة الفريدة التي توافق عليها المجتمع المغربي بالجمع بين الممارسة الدينية الإسلامية والموروث الثقافي الشعبي والتي تتجسد خلال شهر رضمان في مختلف القرى والمدن المغربية، منوها بالدور الذي يقوم به الأئمة المغاربة في التحصين الروحي للمواطنين والذي ساهم في الاستقرار الديني الذي ينعم به المغرب.
وتم خلال هذا اللقاء التطرق بشكل تفصيلي لمناقشة مؤلف الدكتور بوصوف بعنوان “ملكية مواطنة في أرض مسلمة كيف استطاع محمد السادس وضع ركائز نموذج ديني كوني »، حيث أكد بوصوف أن تحقيق النموذج الديني المغربي في ظل إمارة المؤمنين للاستقرار الروحي والسياسي في المغرب، يجعل له قابلية للانتقال إلى بلدان إقامة المسلمين في أوروبا خصوصا، خصوصا وأنه متضمن لعنصر التصوف الذي يشكل منطقة عازلة يجتمع فيها الإيمان الروحي لجميع الناس بمختلف انتماءاتهم العقائدية، مثلما جسده الفيلسوف ابن عربي الذي استطاعت فلسفته الصوفية الجمع بين المتنافضات وتوحيد الناس على قيم المحبة والإخلاص والتسامح، وهي عناصر أساسية لبناء سلم عالمي جديد في الوقت الراهن.
مجهودات المغرب لتجاوز تأخير التأطير الديني في أوروبا:
من جهة أخرى نفى بوصوف خلال هذا البرنامج الحواري المباشر، أي تعارض بين الإسلام في شكله التديني الوسطي والمعتدل مع والقوانين الوضعية والأعراف الأوروبية، مؤكدا على أن الإسلام باعتباره دينا أوروبيا منذ قرون استطاع المساهمة في بناء الحضارة الغربية من خلال التجربة التاريخية للمسلمين في الأندلس؛ داعيا المسلمين في أوروبا إلى حسن التفاوض حول حقوقهم الدينية في دول إقامتهم مع مراعاة واحترام خصوصيات المجتمعات الغربية والتركيز على القيم الكبرى للدين التي لا تتعارض مع المسارات التاريخية والثقافية لهاته المجتمعات بدل التوقف على الأمور الثانوية في الممارسة الدينية التي تسعى فقط إلى خلق الجدل والتراجع على المكتسبات.
وانتقد بوصوف في هذا السياق استعمال الدين في السياسية سواء في الدول المسلمة أو الدول الأوروبية، مؤكدا على أن الدول الأوروبية ساهمت بدورها في تسييس الدين من خلال تجييش المسلمين لمواجهة المعسكر السوفياتي في التسعينات واعتبارهم « مقاتلي الحرية »، إضافة إلى استعمال الدين في الحملات الانتخابية الأوروبية من طرف بعض الأحزاب التي تتوجه إلى الجاليات المسلمة لاستمالة أصواتها في الانتخابات، داعيا إلى إعادة الإسلام إلى مكانه الطبيعي في المساجد وعدم تسييسه وإفراغه قيمه الروحية.
من جهة أخرى تطرق الدكتور عبد الله بوصوف في هاته المداخلة إلى مسألة التأطير الديني للجاليات المغربية في أوروبا، والمسلمة بشكل عام، وقال إنه كان هناك تأخير في الاهتمام بهذا الجانب، مشيرا إلى المسؤولية المشتركة بين دول تصدير المهاجرين التي تخلصت من عبء ديمغرافي، ودول الاستقبال التي تعاملت مع هؤلاء المهاجرين كقوة عاملة فقط من دون مرافقة روحية، وتأطير هوياتي، مما دفع الدول الأوروبية إلى تسليم هؤلاء المسلمين الى دول لها مرجعيات دينية تنتمي إلى جغرافيا لا علاقة لها بالجغرافيا وإلى بيئة ثقافية مختلفة عن البيئة الأوروبية، وهو الأصل في مجموعة من التوترات الهوياتية التي تشهدها العديد من الدول الأوروبية.
وفي نفس الإطار قال بوصوف إن المغرب سعي في العقود الأخيرة إلى تجاوز هذا التأخير من خلال الاهتمام بالتأطير الديني لجالياته في الخارج عبر المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة وكذا البعثات العلمية والدينية التي تتوجه إلى دول الإقامة في مناسبات عدة، بالإضافة إلى استقبال أئمة من دول أوروبية للتكوين في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات الذي أصبح منارة علمية ذات بعد عالمي.