وبدأ الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج كلمته في هذا اللقاء بسؤال كيف نجعل من أنفسنا وتراثنا وقيمنا وسيلة للعيش بسلام داخل المجتمعات المتعددة؟ وكيف تجعل الجالية المغربية المقيمة في أكثر من مائة دولة من تدينها نموذجا يحتذى به لتسهيل اندماجها داخل المجتمعات الغربية مع الارتباط بهويتها الوطنية؟
التسامح والتعايش والاختلاف مبادئ راسخة في التاريخ الإسلامي:
وقدم بوصوف مؤلفات مثل الإسلام والمشترك الكوني الصادر بثلاث لغات، وأيضا مؤلف وسائل الإعلام في الغرب الصادر باللغة الفرنسية ومؤلفه الجديد “ملكية مواطنة في أرض مسلمة كيف استطاع محمد السادس وضع ركائز نموذج ديني كوني” الصادر في فرنسا، معتربا بأنه يكتب في نسق وفي اتجاه واحد الأصل فيه تقديم مشروع يستجيب لحاجيات العصر، في ظل التشنجات التي تعرفها العديد من المجتمعات الغربية في السنوات الأخيرة بسبب انتشار العنصرية والاسلاموفوبيا، وكذا نشاط الحركات الدينية المتطرفة في استقطاب الشباب ودفعهم إلى قتل الناس باسم الدين.
وعن كتاب “الإسلام والمشترك الكوني” يقول بوصوف إنه ركز على فكرة أساسية مفادها أن مبدأ التسامح والعيش المشترك مبدأ ثابت ي النصوص الدينية وكذا على امتداد التاريخ الإسلامي، ولم يغب ولا لفترة واحدة؛ واستشهد بنموذج الدولة في الإسلام التي طالما احتضنت مجموعات دينية متعددة وشهدت تمازجا دائما بين المسلمين وباقي الديانات السماوية، وأيضا بمواقف تاريخية وشهادات لشخصيات من خارج المنظومة الإسلامية حول العيش المشترك في المجتمعات المسلمة منذ القدم.
الاقتناع بالمسؤولية المشتركة لمواجهة التطرف:
أما الكتاب الثاني الذي يحمل عنوان “الاسلام والغرب ووسائل الإعلام”، فأكد بوصوف أنه يتطرق لفهم أسباب التطرف والارهاب وكيف أن الإرهاب ليس مرتبط بثقافة معينة أو ثقافة معينة وأن ما شهدته المجتمعات الغربية من إرهاب باسم الدين وجد تربته داخل هاته المجتمعات، مند عقود، ولم يصدر إليها حديثا من دول الأصل، بل كان هناك استغلال للدين في تغليف وتبرير هذا الفكر المتشدد “اثناء الحرب الباردة والحرب في أفغانستان تم تجنيد مقاتلين من طرف دول غربية تمت تسميتهم مقاتلي الحرية للقضاء على المعسكر الشرقي، وفي في هذه الاثناء دخلت عادات في اللباس وفي الثقافة لم نكن نعرفها في المغرب، وسمح لتيارات دينية معينة بتدبير المسالة الدينية في دول أوربية” يقول بوصوف، مؤكدا على مبدأ المسؤولية المشتركة.
عناصر النموذج الديني المغربي المعاصر:
أما الكتاب الثالث الذي قدمه الدكتور عبد الله بوصوف خلال هذا اللقاء بعنوان “ملكية مواطنة في أرض مسلمة كيف استطاع محمد السادس وضع ركائز نموذج ديني كوني”، فقد حاول تحليل الأسس التاريخية التي ينبني عليها النموذج المغربي القائم على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني في ظل إمارة المؤمنين.
وفي هذا الإطار اعتبر بوصوف بأن تاريخ المغرب الممتد ل 13 قرنا لم يشهد ملكية مطلقة كنموذج حكم كما في بعض الدول الأوربية، بل كان نظام حكم مبني على مسألة البيعة التي يقوم بها أهل الحل والعقد أي كبار الفقهاء والتجار وشيوخ القبائل وهو مرادف لمبدأ العقد الاجتماعي التي أتى به مفكرون غربيون فيما بعد.
ودعا بوصوف إلى عدم قراءة التاريخ الإسلامي بمنظور غربي، مؤكدا على أن التاريخ هو تجارب إنسانية متعددة يجب فهمها في إطار شمولي يحترم خصوصيات كل تجربة على حدى، ومبرزا أن الكونية أيضا يمكن أن تأتي من تجارب تاريخية من الجنوب وليس فقط من الغرب بشكل عام.
كما تطرق الدكتور بوصوف في هذا المؤلف إلى نموذج التدين بالمغرب وكيف استطاعت إمارة المؤمنين التي يمكن مقارنتها بالباوية بالنسبة للمسيحيين، أن تكون الضامنة لحرية المعتقد في المغرب لكافة المجموعات الدينية، وقدم بوصوف في نفس الاتجاه خصائص ومميزات الوسطية والاعتدال في المذهب المالكي، وكذا أهمية العقيدة الأشعرية التي تمنع تكفير الآخر وتعترف بأهل الذمة كمكونات من مكونات المجتمع الإسلامي، إضافة إلى التصوف السني التي يشكل منطقة عازلة تجتمع فيها جميع المعتقدات ويسود فيها السلم والحب من دون تأثير لمعتقد في معتقد على آخر.
وفي ظل المصلحة العامة ومصلحة الإنسان التي ينبني عليها المذهب المالكي، لم تفت عبد الله بوصوف الإشارة في هذا المؤلف إلى نماذج من مواقف رسمية للمجلس العلمي الأعلى من بعض القضايا المعاصرة المطروحة ذات الراهنية، مثل مسألة الجهاد التي تبقى مقتصرة بحسب فتوى للمجلس في الجهاد الدفاعي والذي لا يمكن أن يعلنه غير الإمام وهو أمير المؤمنين في المغرب؛ بالإضافة إلى فتوى الردة التي أكدت ما ينص عليه القانون المغربي من كون الدولة لا تجرم تغيير العقيدة ولكن تجرم إجبار الإنسان على تغييرها وكذا العمليات التبشيرية التي تستغل ظروف الإنسان الصعبة من أجل تقديم دين جديد، وكل ذلك بناء على المبدأ القرآني “لا إكراه في الدين”.
كما طرح بوصوف في أخر هذا المؤلف إمكانية نقل النموذج المغربي في التدين لدول أخرى، معتبرا بأنه نموذج قابل للتطبيق في دول غربية إن كانت هناك معرفة حقيقية بالدين واستحضار الاجتهاد والحس النقدي بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع، وأيضا باستحضار شخصيات مفكرين وفلاسفة مسلمين لهم مصداقية ومكانة في الفكر الغربي العقلاني مثل ابن خلدون، وابن رشد، وابن عربي والشريف الإدريسي؛ منوها في نفس الوقت بالجهود التي تبدلها المؤسسات المغربية القائمة على الشأن الديني في تحصين مواطنيه داخل الوطن وخارجه.