قدم الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، الدكتور عبد الله بوصوف، أمس الجمعة 12 ماي 2017 بمدرسة الحكامة والاقتصاد بالرباط محاضرة حول موضوع « الإسلام في أوروبا ».
واستهل عبد الله بوصوف محاضرته، التي أدارها مدير مدرسة الحكامة والاقتصاد، الدكتور محمد الطوزي، بالتأكيد على الأهمية التي يحتلها الإسلام في النقاشات السياسية والمجتمعية في المجتمعات الأوروبية والتي ظهرت جلية في الانتخابات الفرنسية الأخيرة التي قدمت نموذجين لمنظور الإسلام في فرنسا، أحدها يقدمه كمكون من مكونات المجتمع الفرنسي بالنظر لعدد معتنقي الديانة الإسلامية في فرنسا، وتوجه آخر يستخدم الإسلام لبث الخوف والشك داخل في صفوف الفرنسين؛ معتبرا أن نتائج الانتخابات الرئاسية أكدت ارتباط الفرنسيين بقيم الجمهورية والقيم الكونية عموما وهو محفز لمسلمي فرنسا للعمل على تقديم إسلام وسطي معتدل قادر على التعايش جنبا إلى جنب مع باقي مكونات المجتمعات الأوروبية.
وتطرق الأمين العام لمجلس الجالية لمغربية بالخارج إلى منهجية اشتغال مجلس الجالية المغربية بالخارج على المسألة الدينية منذ إنشائه كأولوية استراتيجية بالنسبة للجالية المغربية في أوروبا. وفي هذا الإطار ذكر بوصوف أن الإشتغال على الوضع القانوني للإسلام في أوروبا شكل مستهل التفكير في هذه المسألة، حيث تبين بأن دساتير وقوانين الدول الأوروبية بالرغم من اختلافاتها بين التنصيص على العلمانية بتنوعاتها أو حتى التي تعترف بالتوجه الديني للدولة لا تتضمن أي مانع للممارسة الدينية للمسلمين في هذه المجتمعات، بما أن الأمر يدخل في إطار حرية المعتقد؛ إلا أن الواقع يطرح بعض إشكايات أمام هذه المارسة التي تكون عادة بسبب خلفية سياسية أو ثقافية أو إيديولوجية.
« صحيح أن غياب الرغبة السياسية لدى المسؤولين في عدد من المدن الأوروبية يفرض على المسلمين شروطا تعجيزية لممارسة ديانتهم، إلا أن المسلمين من جانبهم لا يبذلون مجهودات كافية للعمل على شرح مشاريعيهم والترافع من أجلها في المؤسسات الرسمية وطرح النقاش حولها أمام الرأي العام » يقول عبد الله بوصوف، داعيا إلى العمل على التوصل إلى اجتهادات فكرية من داخل المنظومة الدينية قادرة على جعل الممارسة الدينية تتأقلم بشكل كلي مع السياق الغربي من دون أن تكون هنالك أي تعارض أو تصادم.
ضرورة ربط التكوين الديني بالعلوم الإنسانية في المجتمعات الأوروبية
أما بخصوص النموذج الديني الصالح لمسلمي الدول الأوروبية فيرى بوصوف بأن الدراسات التي اشتغل عليها المجلس وكذا اللقاءات التي نظمها في هذا الإطار، أبانت على أن الإسلام مبدئيا ليس له أي مشكل في التأقلم مع المجتمعات غير المسلمة، ولا يمثل أي تعارض مع قيم الديمقراطية والحداثة؛ إلا أن السياق الأوروبي يطرح أسئلة جديدة على الدين الإسلامي الذي يعيش تجربة جديدة في هذه المجتمعات باعتباره أقلية فيها وليس أغلبية كما هو الشأن في الدول المسلمة، وهي تجربة يقول بوصوف تجعل من الضروري إبداع إنتاجات فكرية قادرة تؤويل النصوص الدينية بحسب السياق الأوروبي، مسجلا النقص الكبير في هذا الإطار.
من جهة أخرى احتلت قضية تكوين الأئمة في المجتمهات الأوروبية حيزا مهما من مداخلة الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، حيث سلط الضوء على حقيقة كون أغلب الأئمة في أوروبا ليس لهم تكوين ديني ويعتمدون فقط على اجتهاداتهم الذاتية، وحتى من لهم تكوين ديني فهم يفتقدون إلى البعد السوسيولوجي المرتبط بثقافة وحضارة المجتمعات الأوروبية، أو غير متمكنين من اللغات الأوروبية، وبالتالي فإنهم غير قادرين على تقديم إيجابات مناسبة للشباب المسلم مما يدفعه إلى البحث عن هاته الأجوبة اعتمادا على وسائل الأخرى كالإنترنت مما يجعلهم يتشبعون بخطاب ديني يرفض الأخر ويرفض التعايش ويمرر خطابا متطرفا يصبح مقبولا من هؤلاء الشباب وقد يدفع ببعضهم إلى الارتماء في حضن الإرهاب.
ويرى بوصوف في هذه النقطة على أن التكوين الأكاديمي لرجال الدين المسلمين في أوروبا عليه أن ينبني على الانفتاح على الديانات الأخرى والعلوم الإنسانية والاجتماعية بجميع تخصصاتها، من أجل القدرة على محاورة الآخر وبلورة مقاربة تشاركية قادرة على تقبل الآخر من دون إقصائه والبحث عن البناء المشترك معه وليس الدفاع عن ديانة ضد ديانة أخرى، أو تبخيس خصوصيات باقي الديانات.
أهمية النموذج المغربي في الإجابة على الأسئلة الراهنة