الدكتور عبدالله بوصوف : الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج.
جعلت سياقات تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 25 ماي 1963 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أو وريثها منظمة الاتحاد الإفريقي سنة 2002، وانقاسم مؤسسيها بين عدة اديولوجيات فكرية وتحالفات سياسية أملتها ظروف تلك الـفترة، حيث الثنائية القطبية وأوج الحرب الباردة، من النتائج التي جنتها منظمة القارة السوداء لا ترقى إلى طموحات شعوبها.
وبالرغم من تغني كل المتحمكين بمفاتيحها بالدفاع عن شعوب إفريقيا، إلا أن أن الواقع لا يحمل أي بصمة لاستشارة شعبيـة أوإستفتاءات فيها الشعوب كلمتها بخصوص أهداف واستراتيجيات المنطمة، أو تبدي رأيها في قراراتها كما هو الشأن مثلا بالنسبة للتحاد الأوروبي الذي استطاع إيجاد حل لإشراك الشعوب في قراراته من خلال البرلمان الأوروبي، وهو ما يمنع ظهور أي أثر لحسنات المنظمة على حياة الشعوب الإفريقية أو حل المشاكل التي تتخبط فيها هذه الشعوب.
وهكذا انشغلت المنظمة فقط بتحقيق أهواء شخصية وتحالفات ضيقة على أساس عرقي أو تاريخي بين دول تقاسمت نفس البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأيضا نفس التاريخ الستعماري. وهو ما أدى إلى إصابة المنظمة التي من المفترض أنها تحقق الوحدة الإفريقية بنوع من « التوحُد السياسي »، حيث لم تقدرعلى مُجارات التطور المجتمعي والوعي السياسي لشعوب القارة المتعطشة إلى النماء والانفتاح. أكثر من ذلك فقد واجهتها بالحديد والنار والتجويع، ويكفـي أن نذكر أنه بين سنتي 1960 و2001 عرفت إفريقيا أكثر من 100 أنقلابا عسكريا سواء في الصومال و ليبيريا وسيراليون وروانـدا وبوروندي والكونغـو وقـبلهم في ليبيا القدافـي وغيرها… دون الحديث عن الحروب الأهلية زالنزاعات حول الحدود بين أكثر من دولة إفريقية، وهنا لنا أمثلة في الصراع بين الصومال وإثيوبيا حول منطقة الأوجادين؛ أو الصراعات على الحدود الموروثة عن الاستعمار التي لم تأخذ بعين الاعتبار الخصائص المشتركة والطابع القبلي والعرقية للعديد من المناطق الإفريقية.
وبالإضافة إلى صعوبة اتخاذها لمواقف قوية على الصعيد لاقاري أو العالمي والاكتفاء أكثر من مرة بالاختباء وراء قرارات الأمم المتحدة، قد أبانت منظمة الوحدة الإفريقية عن محدودية تأثير قراراتها في حل نزاعات أعضائها، وهو ما جعل أغلبهم يلجأ إلى محكمة العدل الدولية.
وتكاد المادة 3 من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية تُصور حالة الاقتحان وعدم الاستقرار السياسي طيلة سنوات الستينيات والسبعينيات، عندما تتحدث عن «استنكارها لأعمال الاغتيال السياسي أو التحريض على الإغتيال والإنقـلاب التي تُمارسها دول مجاورة أو دول استعمارية»؛ وما يدعو إلى الاستغراب هو أن نفس القادة الانقلابيين والحكام دكتاتوريين لا يترددون في الإعلان خلال توصيات أكثـر من قمة إفريقية عن رفضهم لأسلوب الانقلاب والوصول للسلطة بالقوة بعيدا عن المسالك الديمقراطية. وستزداد حدة الهاجس مع انهيار جدار برلين وما رافقه من نهاية للثنائية القطبية وانتشار ثقافة حقوق الإنسان وبروز خطابات حماية المرأة والطفل في المواثيق الدولية والحث على تحقيق التنمية المستدامة…
في ظل هذا التحول النوعي في الفكر الاجتماعي والسياسي في العالم، سيضطر قادة المنظمة الإفريقية للتأقلم مع الأجواء الجديدة، وسيترجم ذلك من جهة بتنبني بعض أدوات العمل الديمقراطي وإفراغها من محتواها مثل تنظيم الانتخابات بحضور مراقبين دوليين و منظمات حقوقية لا تحترم نتائجها في أغلب الأحياء ولا تؤدي إلى انتقالات حقيقية لهذه الدول نحو الديمقراطية، ومن جهة أخرى سيعمل القائمون على المنظمة بتغيير جلد المنظمة لتنتقل من « منظمة الوحدة الإفريقية » إلى «الاتحاد الإفريقي» بترسانة قانونية جديدة وهيكلة إدارية جديدة، لكن بنفس العقلية وبنفس التكتيك القديم!
قد يبدو من وحي الخيال، ولكن الميثاق الجديد للإتحاد الإفريقي ينص في فصله 30 عن توقيف عضوية كل دولة تستعمل طرق غير ديمقراطية للوصول إلى السلطة، وهو نفس مضمون الفصل 3 من ميثاق منظمة الوحدة الافـريقية، ولا داعي إلى طرح السؤال حول عدد الدول التي تلتزم بالاختيار الديمقراطي في مماسرتها السياسية.
أكثر من هــذا، نجد أن القرار رقم 16 الشهير بمبدأ “قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار” والـذي جاءت به قمة القاهرة في يوليوز 1964، مع الإشارة الى ما أثاره هذا القرار من جدل قانوني وفقهي وواقعي، استمر لسنوات طويلة، ونُوقش في أكثر من مؤسسة مختصة، خاصة وأنه إلى غاية صدور قرار 16 فقد كانت جل الدول الإفريقية لم تكمل بعد تحديد مجالها الجغرافي، ومازالت تقاوم من أجل نيل الاستقلال أو تصفية الاستعمار، وهو ما جعل كل من الصومال والمغرب تتحفظـان على قرار “قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار”، نظرا لأن المغرب آنداك كان في مسلسل استرجاع مناطق سيدي ايفني وباقي أجزاء الأقاليم الجنوبية من المستعمر الاسباني، أمـا الصومال فكانت في صراع مع إثيوبيا حول منطقة الأوجادين.
إثارة هاتان النقطتان بالتحديد الهدف منه إبراز كيف أن ما كان قرارا في عهد “منظمة التوحد الإفريقي” سيُصبح نصا قانونيا مرجعيا في ميثاق الاتحاد الافريقي الجديد في الفقرة « ب » من الفصل الرابع، التي نصت على ” احترام الحدود عند نيل الاستقلال »؛ ويبدو أن مُهندسي ميثاق الاتحاد الافريقي كانوا يُجيبون على انتظارات الجيل الجديد من الشعوب الإفريقية التواقة إلى العيش الكريم والديمقراطية واحترام حقوق الانسان من جهة، ومن جهة ثانية حاولوا تدارك الخطأ القانوني والتاريخي الجسيم الناجم عن انظمام ” البوليساريو” للمنظمة الافريقية سنة 1984، رغم عـدم توفره على الشروط القانونية المتعارف عليها دوليا، وهو ما يُـبرر عدم إعتراف كل من الأمم المتحدة و الجامعة العربية بالبوليساريو.
فبالعودة إلى مضمون المادة 4 من ميثاق “منظمة التوحد الإفريقي” نجد أن عضوية المنطمة تكون لكل دولة إفريقية مستقلة، ذات سيادة”إلا أن ميثاق الاتحاد الجديد سيُعالج الأمـر بمُناورة مكشوفة في فصلـه 29 الخاص بقبـول العضوية وقال بأنه «يجوز لأية دولة إفريقية أن تُخطر رئيس اللجنة بنيتها في الانضمام إلى هذا القانون…» وهي بهذا تُسقـط شـرطيْ الاستقلال والـسيادة الوارديْـن في المادة الرابعة وبالتالي يُـمكنهم القفز على قانونية عضوية البوليساريو في الاتحاد الافريقي وطي النقاش من باب تحصيل الحاصل! وفي نفس الاتجاه، ولأنهم أخرجوا فرضية رجوع المغرب في يوم من الأيام إلى للبيت الافريقي، فقد أسقطوا بـدون قصد، شروط وقيود طلـب الـعضوية في المنظمة، وجعلوا العضوية تقتصر فقط على شرط الإنتماء الإفريقي (الفصل 29 ) وهـو ما استفادت منه دولة جنوب السودان بانظمامهـا سنــة 2011.
في هذا السياق الذي انتد لأزيد من عشرين سنة جاءت الرسالة الملكية لقمة كيغالي (رواندا) في يوليوز 2016، فأربكت جميع حسابات أعداء انتماء المغرب إلى الاتحاد، ثم تلاها طلب الانضمام الرسمي في سبتمبر 2016 ليعمق جروح “الحرس القديم » المتحكم في دواليب الاتحاد الإفريقي، خاصة وأن الرحلات الملكية المليئة بالأمل و التمنية والتعاون جنوب ـ جنوب بمنطق رابح ـ رابح، ساهمت في تقريب الصورة الحقيقية للملك محمد السادس من الشعوب و القادة الافارقة، مما جعل أمر عودة المغرب للاتحاد الافريقي مسألة وقت فقط، لكونه عضوا مؤسسا ولتوفره على نصاب الأغلبية العددية الذي يجعله عضوا فاعلا في المنظمة، استنادا إلى الفصل 29 الذي تقول فقـرته الثانية بعنصر الإستعجال في الرد على طلب العضوية بتنصيصها على أنه «…وتتم عملية القبول بأغلبية بسيطة للدول الأعضاء، ويُحال قـرار كل دولة عضو إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بدوره، عند استـلام العدد المطلوب من الأصوات، بإبلاغ الدولة المعنية بالقرار ».
وهُنا وقـع مهندسو ميثاق الاتحاد الذين بداو في التحرك لخلق عوائق « قانونية » أمام اتضمام المملكة في شـر تخطيطهم، لأن الفصل 29 من خلال عبارة “عند استلام العدد المطلوب من الأصوات…” يؤكد على أن العضوية تصبح سارية المفعول بمجرد الحصول على أغلبية بسيطة ودون انتظار استلام كل قرارات 54 عضو في المنظمة، وهي الأغلبية التي يملكها أصلا المغرب نظرا لتأييد أغلبية اعضاء الاتحاد الافريقي بعودته إلى البيت الإفريقي. من جديـد ستُربك مكالمة جلالة الملك محمد السادس حسابات الحرس القديم، وستبعثر أوراق الخصوم بسؤاله لرئيس منظمة الاتحاد عن سبب التأخير ومآل الطلب، بما أن طلب المملكة يستجيب إلى شروط العضوية وعرف الانضمام وكذا توفر النصاب العددي وبالتالي فلا مبرر للتأخر في إبلاغه بالقرار.
و بعيدا عن كلام الكواليس الذي لا يخلو من “بالونات التجارب” حول معيقات انضمام المغرب، فإن ميثاق الاتحاد نفسه يتضمن الحل سواء في الفصل 26 المتعلق بالتفسير الذي يُـشير إلى “تنظر المحكمة في المسائل المتعلقة بتفسير هذا القانون و التي تبرز عند تطبيقه أو تنفيذه وريثنا يتم إنشاء المحكمة، فإن مثل هذه المسائل تُحال الى مؤتمر الاتحاد الذي يبث فيها بأغلبية الثلثيْـن.” بمعنى أنه في حالة تعـذر تفسير الفصل 26 من طرف رئيس اللجنة، يحال على مؤتمر الاتحاد حيث لنا النصاب العددي كذلك، ويمك الاستعانة أيضا بالفصل 9 المتعلق بسلطات ومهام المؤتمر في الفقـرة “ج” التي جاء فيها ” ….بحث طلبات الانضمام الى عضوية الاتحاد…” وهذا ما أكده خطاب المسيرة لسنة 2016 من داكار عند قول جلالته أن عودة المغرب هي مسألـة وقـت فقــط.
أما الحقيقـة المغيبة هي ترتيب أوراق هياكل الاتحاد الإفريقي ومفوضياته الثمانية قبل انضمام المغرب. فالسيدة دلاميني زوما رئيسة المفوضية (اللجنة) وهي التي تشهر في موقف غير حيادي لنصرتها للطرح الانفصالي، ستغادر المنصب القاري بعد أربعة سنوات، وينتظرها منصب رئيسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا، حيث تقلدت أكثر من حقيبة وزارية بين الصحة و الداخلية والخارجية، أضف أنها زوجة رئيس جنوب إفريقيا.
وبما أن المنصب لازال شاغـرا حيث كان مقررا أن يُبث فيه في قمة كيغالي، قبل أن تربك الرسالة الملكية كل الحسابات، رغم أن لجنة الترشيحات والانتخابات قــد حصرت المرشحين في أبريل 2016 بيـن 3 مرشحين لخلافة السيدة زوما وهم وزيرة خارجية بوتسوانا، ووزيرة خارجية غينيا الاستوائية ونائبة الرئيس الأوغندي؛ فإن عودة المغرب الآن تعني تنصيب مـوظفين مغاربة في هياكل الاتحاد وفي مواقع القرار وفي المفوضيات وغيرها وهو ما لا ترغب فيه لا الجزائر ولا جنوب إفريقيا ولا “دُميتهم” البوليساريو…!لذلك تم تأجيل أمر البث في خلافـة السيدة دلاميني زوما على رئاسة المفوضية الإفريقية إلى يناير 2017 بعد أن تتضح الرؤية أكثر، لكن ليس هناك مانع قانوني يحول دون انضمام المغرب سـوى الـرغبة في إبعاده مـؤقتا في انتظار ملء كراسي هياكل الاتحاد بشخصيات بمقاسات معينة و مواصفات محـددة.
و بإعتبار منظمة الاتحاد الافريقي حسب الفصل 53 من ميثاق الامم المتحدة، منظمة جهوية أو إقليمية معترف بها، مما يجعلها ممثلـة في بعثـة الأمم المتحدة المنورسو، وهنا يمكننا استحضار كل التكهنات في نوعـية التمثيلية و كذا تقاريـر ممثلي الاتحاد بالمنورسـو…!!!
لقد بعثرت رحلات و مشاريع التنمية والأمل لجلالة الملك في إفريقيا ورسالة كيغالي وأيضا الطلب الرسمي للانضمام، أوراق مناصري أطروحة الانفصاليين، ومادام الحرس القديـم يتكلم عـن ضرورة احترام مساطر الإنضمام، فإننا نطلب منهم فك لغز تضمنه الفصل 23 من ميثاق الاتحاد الإفريقي والمتعلق بفرض العقوبات على كل عضو تخلف عن تسديـد مساهماتها في ميزانية الاتحاد…. »، السؤال هو اذا كانت البوليساريو تعيش على إعانات و هبات المجتمع الدولي، فهل لها القدرة على سـداد نصيبها كعضو داخل الاتحاد؟ واذا لم تكن تسدد واجبات العضوية فلماذا لم تفرض عليها العقوبات الواردة في الفصل 23 مادام أن الفصل 4 في فقرته الأولى يقول بمبدأ المساواة بين الدول الأعضاء داخل الاتحاد؟ وهنا أيضا هل أخطأ مهندسو ميثاق الاتحاد الإفريقي أم أن قدر الشعب الجزائري أن يُـسدد من عرقه ثمن وجود كيان البوليساريو؟