»
الاخبار المهمة »
مغاربة العالم “الغائب الأكبر” في 2016 .. وخطب الملك بالمرصاد.
الدكتور عبدالله بوصوف : الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج.
يخلد العالم يوم 18 دجنبر من كل سنة اليوم الدولي للمهاجرين، الذي يشكل مناسبة لإبراز حركيات الهجرة على الصعيد الدولي وإسهامات المهاجرين في تنمية بلدان الإقامة وبلدانهم الأصلية. وهو فرصة أيضا للوقوف على التحديات والإشكاليات الكبرى التي ما فتئت تعترض المهاجرين في مختلف دول العالم، وعلى رأسهم مغاربة العالم المنتشرون في أكثر من خمسين دولة.
في سنة 2016، تجاوز عدد المهاجرين في العالم 250 مليون نسمة، وهو أكبر من مجموع سكان دولة متوسطة. وما فتئت الهجرة تعرف تحولات ومستجدات، لعل من أبرزها ارتفاع نسبة الهجرة جنوب-جنوب وتجاوز أعداد المهاجرين من بين دول الجنوب مجموع الهجرات المسجلة من دول الجنوب نحو الشمال، كما كان عليه الأمر في السابق. وما زالت الأموال التي يحولها المهاجرون نحو بلدانهم الاصلية (أزيد من 600 مليار دولار سنة 2015) تشكل مصدرا أساسيا لتنمية هذه البلدان ومؤشرا لا غنى عنه في اقتصاداتها، دون أن ننسى مساهمات المهاجرين في تحقيق التبادل الثقافي ونشر القيم الكونية والتقريب بين الشعوب والحضارات.
لقد كانت سنة 2016 سنة كوارث الهجرة بامتياز؛ حيث دفعت الحروب وغياب أدنى شروط العيش بمئات آلاف الأشخاص إلى مغادرة بلدانهم وخوض غمار الهجرة، أحيانا نحو مصير مجهول، وأمل ضعيف في غد أفضل ينتهي أحيانا في أول الطريق، مثلما هو عليه الأمر بالنسبة لسبعة آلاف شخص ونيف ممن قضوا نحبهم قبل بلوغ هذا الهدف خلال هذه السنة. وكان البحر الأبيض المتوسط مركزا محوريا لحركات الهجرة الدولية، وتحول بدوره إلى مقبرة للمهاجرين بعد أن لفظ حوالي خمسة آلاف شخص أنفاسهم وهم يحاولون عبوره نحو الأمل الأوروبي.
وأمام ارتفاع موجات الهجرة واللجوء والنزوح، سواء بسبب الحروب والمواجهات المسلحة أو لأسباب اقتصادية أو جراء التغيرات المناخية خصوصا في إفريقيا، فقد سجلت سنة 2016 حضورا مكثفا لقضايا الهجرة في الأحداث السياسية في دول الشمال. وأصبح التهجم على المهاجر أو اللاجئ “أصلا تجاريا” له قدرة غريبة على جلب الأصوات الانتخابية في ظل تنامي تيارات اليمين المتطرف في أوروبا على الخصوص، وفي ظل استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية على مجموعة كبيرة من الأشخاص، مما جعلهم أكثر قابلية لاستقبال الخطاب القومي والعنصري الذي يجعل من المهاجر أو اللاجئ مصدر قلق وخوف وتهديد لموارد العيش.
وهكذا تمحورت أبرز الأحداث السياسية على الصعيد الدولي حول تيمة الهجرة ليس باعتبارها مصدر ثراء وغنى كما برهن على ذلك المهاجرون منذ القدم، ولكن كمشكل وتهديد وأزمة يجب تدبيرها بكل حزم دون تردد. فكانت الهجرة محور الانتخابات الأمريكية؛ حيث أبدع المرشح الجمهوري دونالد ترامب، على الأقل في الحملة الانتخابية، في مقترحاته للحد من الهجرة، من بناء جدار عازل على الحدود إلى طرد المهاجرين في وضعية غير قانونية وكذا المهاجرين المسلمين…
وكان الحد من الهجرة ركيزة الخطاب السياسي في بريطانيا خلال استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، وضمنت فوز تيار الراغبين في الانفصال، كما جعل تدبير “أزمة الهجرة واللجوء” الاتحاد الأوروبي يضطر إلى توقيع اتفاق مع تركيا لوقف تدفق المهاجرين واللاجئين السوريين والأفغان والعراقيين نحو سواحل اليونان وعبر طريق البلقان في الحدود الشرقية للاتحاد، في التفاف واضح على التزامات دول الاتحاد، خصوصا اتفاقية جنيف حول اللجوء، وضرب بالقيم الإنسانية عرض الحائط.
أمام هذا الحضور المكثف لقضايا الهجرة عبر العالم، ظلت الهجرة المغربية والإشكاليات التي تواجهها في دول الإقامة مغيبة عن النقاشات العمومية في المغرب سنة 2016. فلولا إصرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس على جعل قضايا مغاربة العالم في صلب الخطابات الملكية في العديد من المناسبات ككل سنة، ودعوته إلى الاهتمام بها والحرص على جودة الخدمات المقدمة لها، سواء داخل الوطن أو خارجه، مثلما عبّر عن ذلك جلالته في خطاب العرش أو خطاب 20 غشت بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب أو خطاب افتتاح الدورة التشريعية… فقد ظلت الجالية المغربية الغائب الأكبر على النقاش السياسي والمجتمعي بالرغم من كونها تمثل حوالي 10 في المائة من مجموع المواطنين المغاربة، والمصدر الأول للعملة الصعبة، بحسب أخر تقارير بنك المغرب.
لقد عرفت سنة 2016 إجراء انتخابات بلدية وتشريعية تطرقت فيها البرامج السياسية للأحزاب المشاركة لكل شيء سوى القضايا المرتبطة بمغاربة العالم، وحضرت في لوائحها جميع الفئات إلا منتخبين منحدرين من الهجرة المغربية، كما أن جل القوانين التنظيمية ومؤسسات الحكامة التي تمت المصادقة عليها لم يؤخذ فيها بعين الاعتبار بعد الهجرة المغربية. كما لم تتم في أي حال من الأحوال الاستعانة بالكفاءات التي تزخر بها في المؤسسات العمومية أو شبه العمومية ولا بالخبرات التي راكمتها في دول الإقامة من أجل الاستفادة منها في تنزيل الأوراش الكبرى للمملكة، كورش الجهوية الموسعة مثلا.
إن التحديات التي تواجهها الجالية المغربية، في أوروبا على الخصوص، من ارتفاع تيارات اليمين المتطرف وما يرافق ذلك من تضييقات ونعوت عنصرية بشكل يومي، وكذا تهديد الجماعات المتطرفة التي لا تتردد في استقطاب الشباب المهمش الفاقد للأمل، إضافة إلى الإشكاليات الاقتصادية المرتبطة بانكماش سوق الشغل وارتفاع البطالة في أكبر دول الهجرة المغربية، تجعل من واجبنا أن نجعل من قضايا مغاربة العالم أولوية في أجندة السياسات العمومية، وتفرض على جميع الفاعلين توحيد الجهود والتنسيق المستمر لإيجاد السبل الكفيلة بمرافقة أفراد الجالية المغربية ومساعدتهم على مواجه التحديات، وإيجاد الحلول المناسبة التي تجعلهم عامل نماء واستقرار وتنمية لدول الإقامة ولبلدهم الأصلي.