افتتحت يوم الثلاثاء 10 نونبر 2015 على الساعة الخامسة والنصف بعد الزوال، فعاليات أيام التبادل الثقافي حول إميليو بلانكو إثاكا وثقافة الريف بقاعة العروض التابعة للمعهد الإسباني ملشور ذي خوبيّانوس بتنظيم من هذا الأخير وبشراكة مع بلدية الحسيمة، ثانويات كل من الإمام مالك والباديسي ومولاي علي الشريف، المندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة بالحسيمة، وجمعيتي ريف القرن 21 والريف للسينما والتنشيط الثقافي، حيث تم تقديم الخطوط العريضة حول الملتقى من طرف مدير المعهد الإسباني ملشور ذي خوبيّانوس، السيد إدواردو كّارّيكّوس بيكو، وبعد ذلك فسح المجال لمداخلات كل من مستشار القنصلية العامة لإسبانيا في الناظور، السيد فرناندو موران، و ممثل وزارة التعليم الإسبانية بالرباط، السّيد خوليو مونطيس، ورئيس بلدية الحسيمة، السيد محمد بودرا. هذه المداخلات صبّت جلّها حول تطوير العلاقات بين الضفتين وتعزيز سبل التعايش والإحترام المتبادل والنبش المستمرّ في التاريخ المشترك للثقافتين المتوسطتين.
أما مداخلة حفيدة إميليو بلانكو إثاكا، السيدة ماريا أنخليس دي لاطورّي، فركّزت حول تقديرها واعترافها الخاص بعمل فيسنتي موكّا، لمساهمته الكبيرة لدراسة شخصية جدّها وتاريخ الريف، تاريخ مليء بالفوارق والتشنجات ولكن كذلك مليء بالتفاهم والتسامح حسب قولها. كما وصفت جدّها إميليو بالشخص الاستثنائي الذي يتّسم بالمهنية الصادقة، ورجل وقع في غرام مع الريف، أحبّ جغرافيته وشعبه وثقافته … وحاول جمع كل كتاباته وبصم في رسوماته الفنية ومنشآته كل هذا الإرث الثقافي الذي أغرم به.
مباشرة بعد ذلك افتتحت الندوة المرتقبة بعرضين، الأول كان تحت عنوان أطلانتس إميليو بلانكو إثاكا، من تأطير السيد فيسنتي موكّا والذي سلّط الضوء على بعض الملاحظات حول تجارب المراقب الإسباني الريفية في شمال المغرب بين عامي 1927و1948، وعلى وجه الخصوص، أبحاثه الميدانية المدوّنة في “دفاتر الفن الأمازيغي”.
بداية يشير فسينتي إلى أن إميليو بلانكو قام بإصدار كتابه الأول “السكن الريفي” في سبتة عام 1930، وفي عام 1939 أصدر كتاب الريف (الجزء 2. القانون الريفي) وهو الخطاب الإثنوغرافي الأكثر تكاملا حول القانون العرفي؛ وفي عام 1941 بنى مكتب تدقيق الحسابات المالية لأربعاء تاوريرت، كنموذج لمقومات مهندس قحّ في خدمة الفكر الأمازيغي.
بعد غياب قصير الى خليج غينيا، يعود إلى المغرب وبين سنتي 1942 و1945، يُطوّر عمله المعماري في تطوان، حول الجزء العلوي للإدارة الاسبانية والمحكمة الخليفية. وبين نونبر 1942 وغشت 1945 يعيّن كنائب أول لمندوبية شؤون السكان الأصليين ومن ثم مندوب شؤون السكان الأصليين تحت رعاية المفوض السامي الجنرال العام لويس أوركّاث يُولدي، عن “عمله بجدارة في خدمة التدخلات والكفاءة العالية في الشؤون المغربية”.
وفي سبتمبر 1945 انضم إميليو بلانكو الى هيئة الأركان العامة في مدريد. وفي 1948، يتمّم هيكلة “دفاتر” في ستة فصول: الهندسة المعمارية الريفية، الصناعة التقليدية، الرقصات، الوشم، الفن الجنائزي، وعصور ما قبل التاريخ، مما يشكل في وحدات منفصلة، أجزاء تكميلية لما هو عبارة عن متحف أمازيغي.
في 23 مارس 1948 يترقى الى عقيد بالمشاة. وفي 29 أبريل من نفس السنة، يغادر الى دار البقاء عن سن يناهز 57 سنة.
الاعتراف في إسبانيا بأعمال إثاكا جاء في وقت متأخر حتى عام 1995، والذي جاء بعد ما نشرت بمليلية- عشرون عاما بعد أن ظهرت لأول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية -الترجمة للإسبانية لكتاب ديفيد مونتكّومري هارت، إميليو بلانكو إثاكا: عقيد في الريف، وهي مجموعة مختارة من أعماله، منشورة حول البنية الاجتماعية والسياسية لمنطقة الريف في شمال المغرب. ومنذ ذلك الحين، أخذ باحثون آخرون يحدوهم نفس الإهتمام إسوة بالأنثروبولوجي الأمريكي، وهذا ما يتيح لنا اليوم أن نتعرّف عن قرب على العمل الحيوي لمبدع الأ طلانتيس الريفي.
العرض الثاني تمحور حول المؤسسات الاجتماعية بالريف ما قبل الاستعمار من خلال كتاب “القانون الريفي” لإميليو بلانكو إثاكا، قام بتأطيرها كل من السادة محمد أونيا وعبد الحميد الرايس، وتكونت المداخلة من شقين أساسيين أولهما التعريف والوقوف على النسق الإجتماعي للمجتمع الريفي التقليدي المتمثل في مؤسسة القبيلة كما درسها إميليو بلانكو إثاكّا من خلال دراساته المختلفة، ويشمل هذا النسق مختلف الوحدات الأساسية المكونة للهيكل النظامي للقبيلة الريفية (نموذج قبيلة آيث ورياغل)، والتي يقدمها كوحدة تنظيمية اجتماعية انقسامية مكونة من وحدات داخلية تنتظم في حلقات ومستويات متدرجة من أصغر وحدة إلى أكبر وحدة وتسير وفق نظام مترابط. وثانيهما قراءة توضيحية وتفسيرية لوثيقتين نموذجيتين من ضمن الوثائق العديدة التي جمعها الباحث الإثنوغرافي إميليو بلانكو إثاكّا المرتبطة بالقوانين العرفية المحلية الريفية والتي تكشف عن مختلف مناحي الحياة الإقتصادية والإجتماعية المعيشية، وعن القوانين التنظيمية التشريعية الخاصة بالقبيلة الريفية المتسمة بالإنسجام مع الخصوصية المحلية للمجتمع الأمازيغي والمستجيبة للإحتياجات المحلية للريفيين إبان الفترة التاريخية السابقة للمرحلة الإستعمارية.
بعد انتهاء الندوة العلمية التي استمتع بفقراتها الحضور الكريم، تم افتتاح المعرض المتنقّل للوحات وببليوغرافيا “إميليو بلانكو إثاكا وثقافة الريف” وهي عبارة عن لوحات مائية وبعض الكتب التي تجسّد سيرة إثاكا وعلاقته الوطيدة بالريف وثقافته وهويته.
خلال اليوم التالي، الأربعاء 11 نونبر 2015، وعلى الساعة الثامنة والنصف صباحا، قام الوفد المشارك في هذه الأيام الثقافية بزيارة علمية لمختلف البنايات والمآثر التي صمّمها إيميليو بلانكو وكان مسار الرحلة من الحسيمة الى أجدير وإمزورن وأربعاء تاوريرت…
ياسين الرحموني