بقلم : متتبع غيور.
غالبا ما تستوقفني الجمل الشرطية ،في القرأن الكريم،الحديث،السنة،و هذه المرة أقف على حديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم،و هو يجيب رجلا من المسلمين،على تساؤله عن موعد قيام الساعة و كان الرجل يريد معرفة علامات الساعة،في رواية البخاري،قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم:
* إذا ضيعت الأمانة فإنتظر الساعة،قال:كيف إضاعتها يا رسول الله؟قال:إذا أسند الأمر إلى غير أهله فإنتظر الساعة*.
مناسبة هاته المقدمة التمهيدية،هي معاناة بعض مساجد بلجيكا مع جهلاء يريدون التحكم في الأئمة و العلماء،بحيث أضحت العديد من بيوت الله في الديار البلجيكية معرضة لعدد من الظواهر السلبية،لعل أبرزها هذه الأيام هو حشر بعض المحسوبين على ما يسمى بلجان تسيير المساجد،أنفهم في تسيير هذه البقاع الطاهرة في جانبها الديني الذي لا يعرفون عنه أي شيئ،و تراهم يتخطون حدود ما هم مطالبين به من توفير الظروف المناسبة للأئمة و الوعاظ و محاولة فرض أرائهم عليهم عِوَض إتخاذهم قدوة يقتدون بهم.
هناك أئمة يتعرضون للإبتزاز من طرف هؤلاء الذين يبدؤون متطوعين عبر لجان،فإذا بهم يتحولون إلى مستبدين و متسلطين،إذا قمنا بوضعهم في الميزان مع القذافي و حسني مبارك و أخرين،سنجد الأسماء الأخيرة المذكورة،أكثر رحمة و ديمقراطية من هؤلاء المسؤولين عن المساجد.
هنا سنتعرض للمعاملة الغير اللائقة و الفجة التي تعرض لها خطيب الجمعة بمسجد الأمل ببروكسيل،السيد القجاج محمد الذي يشغل في الأن نفسه نائب رئيس المجلس العلمي ببلجيكا،عضو المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة،من طرف مسؤولي اللجنة الإدارية لمسجد الأمل،الذين قاموا بطرده من المسجد،مباشرة بعد إلقائه لخطبة الجمعة الأخيرة قبل عيد الأضحى المبارك،و التي بلغ فيها بكل أمانة مضامين البيان الذي أصدره المجلس العلمي لبلجيكا بخصوص ذبح الأضاحي،هذا الأمر لم يستسغه هؤلاء المسؤولين،الذين أصبح بعضهم يفتي في أمور لا يفرق فيها بين الألف و الزرواطة،و يمارس على الأئمة و المصلين معا أسلوب التجهيل الديني عن الذات و عن الأخر المختلف،لكي تدوم له السلطة على رقاب المتوافدين على المساجد،علما بأنه ليس من حق أي كان أن يجادل في أمور لا يفقه فيها ألفها من يائها.
لقد أصبحنا مع الأسف نساعد أعدائنا دون أن نحس،و ذلك بجهلنا بديننا،كما قال العقاد:*إن الجاهل أعدى لأمته من أعدى أعدائها،و ما نكب الإسلام كما نكب من أبنائه الجاهلين*.
بدون لف و لا دوران و للتاريخ،نؤكد بأن ما تعرض له الشيخ القجاج محمد من طرف هؤلاء الغوغائيين،هو نتاج لدوره الكبير في تبليغ رسالة الإسلام المعتدل و المتسامح،بدروسه و خطبه النيرة التي تهدف إلى التعريف بقيم الوسطية في الإسلام ،النابعة من تشبث المغاربة خصوصا بالمذهب المالكي الذي يدعو إلى الوحدة و الوسطية و الإنفتاح على الأخر لتحقيق التعايش و الإنسجام بين جميع أفراد الديانات السماوية،و التصدي للتطرف و للتيارات الإرهابية الهدامة.
الأئمة الأجلاء مطالبون بعدم الخضوع أو التنازل لهؤلاء الجهلة،عن رسالتهم و وظيفتهم لأن الإمامة منصب شرعي لا يعطى محاباة،و لا يمكن منه من ليسوا أهلا لهم ليعبثوا به.
و أخيرا نهمس في أذن هؤلاء،لنذكرهم بأن ديننا الإسلامي الحنيف أوجب علينا إحترام العلماء و تقديرهم،فهم قدوة المجتمع،و بهم يرتقي المجتمع و ينهض،و هم الذين يبينون له أحكام الشرع و مقاصده،و يقررون له الأحكام الشرعية لما يعتري حياة أفراده من مستجدات و نوازل،و لقد كثرت النصوص التي ترفع من مقام العالم و تميزه عن غيره،أستعرض منها قول المصطفى عليه الصلاة و السلام( و إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب،و إن العلماء ورثة الأنبياء،و إن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما،ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)أخرجه أبو داود و الترمذي و غيرهما.
عندما نقول يجب إحترام العلماء و الأئمة،لا نقصد إضفاء القدسية عليهم،و رفعهم عن النقد و المعارضة،فهناك فرق بين الإحترام و القداسة،فإن أفتى العالم بفتوى شاذة أو خاطئة،فإننا يجوز لنا أن نبين مواطن الخطأ في الفتوى،بشرط أن لا نلغي مكانة العالم و قيمته،فلكل أخطاؤه،و لكل جواد كبوة.
يقول الله تعالى في محكم كتابه الحكيم*و من أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها إسمه و سعى في خرابها،أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين،لهم في الدنيا خزي و لهم في الأخرة عذاب عظيم*صدق الله العظيم.