مقال الدكتور عبد الله بوصوف:
سقط القناع
إن مختلف أشكال الابتزاز بغرض كسب مالي او الحصول على امتيازات أو تحقيق مصالح أخرى ليست بالظاهرة الجديدة، في علاقة بعض الصحافيين الفرنسيين بالمغرب. بل هو سلوك غير حضاري ما فتئت شخصيات وهيئات غير حكومية تلجأ إليه لا بغرض السعي لحقيقة ما، وإنما بغرض ممارسة نوع من اللصوصية والنصب والاحتيال ولكن بطريقة خاصة.
وتعيد قضية اعتقال الصحافيين الفرنسيين إيريك لوران وكاترين غراسيي يوم الخميس 27 غشت الجاري بباريس بسبب مطالبتهما جلالة الملك بمبلغ 30 مليون درهم مقابل عدم نشر كتاب ينتقد المغرب والمؤسسة الملكية، طرْح النقاش حول الابتزازات التي نتعرض لها باستمرار من طرف الصحفيين الفرنسيين في الفترة الأخيرة.
عندما اختار الصحفيان الفرنسيان الاتصال بالديوان الملكي من أجل التفاوض حول عدم نشر مؤلفهما، ظنا منهما أنهما سيهزان الرأي العام الدولي ويؤلبان المغاربة على وطنهم، لم يفكرا للحظة بأنهما مقبِلان على تصرف يخرم وجه القيم ويدنّس مبادئ الصحافة العالمية، كما لم يفكرا للحظة بأن السحر قد ينقلب على الساحر.
فللرد على هذا السلوك الماكر كانت خطة المغرب ذكية وذلك عبر إخبار السلطات الفرنسية بالأمر، ومتابعة “الصحفيين” في عملية النصب عن كثبٍ، إلى أن سقطا في كمين الشرطة الفرنسية ودلائل الإدانة قائمة بين يدي العدالة متمثلة في:
– 80 ألف يورو نقدا.
– عقد للتنازل مقابل مبلغ مالي للتراجع عن نشر الكتاب.
– أشرطة فيديو تصور عملية التفاوض.
– فضيحة مهنية وأخلاقية تدنّس مسيرة الصحافيين حتى وإن كانت مرحلتها الأخيرة.
إن تاريخ ممارسة الصحافيين الفرنسيين: إيريك لوران، وكاترين غراسيي لأسلوب الابتزاز مع المغرب ليس وليد اليوم؛ فهما وإن قررا هذه المرة الابتزاز بشكل مباشر، فقد سبق لهما نهج نفس الطريق ومارسا ابتزازا من نوع آخر في كتاب Le Roi prédateur. وقد كان الهدف الأساس والمسكوت عنه من خلال كتاب “الملك المفترس” هو إحداث نوع من الاختراق للاقتصاد المغربي، من خلال تعبيد الطريق للوبيات اقتصادية أجنبية هدفها السيطرة على قطاعات صناعية مرتبطة بالعيش اليومي للإنسان المغربي كالزيت والحليب بمشتقاته والسكر…، مع كل ما يحمله سقوط قطاعات حيوية في أيادي أجنبية، من خطورة على الأمن الغذائي المغربي، وتهديد الإستقرار الوطني، وإحداث شرخ بين المؤسسة الملكية وقواعد الشعب المغربي.
يبرِّر هذا الاستنتاج سيرورة الابتزاز التي مارسها ويمارسها صحافيون فرنسيون للدولة المغربية منذ مدة، لا تقتصر على إيريك لوران وكاترين غراسيي اليوم، فقد سبقهم لذلك “صحافي” أخر اسمه روبير مينار عبر مقالات في الصحافة الفرنسية وتقارير تحمل الكثير من التحامل على المملكة والابتزاز من باب حرية التعبير، وذلك خلال فترة إدارته لمنظمة “مراسلون بلا حدود”.
روبير مينار لم يتوان لحظة في إعطاء دروس للمغرب في حرية التعبير. لكن، وبعد أن بارت سلعته وأفل نجمه توجه إلى طرق مؤسسات في قطر بحثا عن الأموال. وقد عاد مؤخرا إلى فرنسا وبالضبط إلى موقعه الطبيعي ضمن الحركة العنصرية الفرنسية ممثلاً سياسيا في حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، الذي خول له عمادة مدينة بيزيي، وهناك قام بإعداد إحصاء عنصري شمل جميع التلاميذ المسلمين في مدارس المدينة، في خرق تام للقانون الفرنسي، وتأكيدٍ لنزعة عنصرية بائدة ترفض الآخر ولا تقبل التعايش.
والرسالة التي نبلغها لمثل هؤلاء الصحافيين ولغيرهم من الكتاب منعدمي الضمير، هي أن المغاربة قاطبةً سيواجهون ويتصدّون لهذه الابتزازات الشنيعة والمخلّة بالقيم الإنسانية الراقية بمختلف أشكالها، ولن نقبل بالدروس التي تأتينا من الخارج، وكيفما كان مصدرها. كما أننا لن نقبل بوصاية أحد على سيادتنا وثوابتنا، فنحن أدرى بأنفسنا وبأحوالنا وبمصالحنا، ولدينا القدرة على تحديد حاضرنا ومستقبلنا. فليخسأ إيريك لوران، وكاترين غراسيي ومن كان على شاكلتهما، فلقد سقطت الأقنعة.