الجالية24 أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، عن إحداث تحول جديد، في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية…
الجالية24 شهدت منطقة فالنسيا بإسبانيا أحد أقوى الفيضانات في تاريخها، نتيجة التغييرات المناخية، والتساقطات المطرية القوية، التي…
محمد الحجابي(إسبانيا) علمت » الجالية24 » من مصادر مطلعة،أن الشرطة الإسبانية فتحت تحقيقا لتحديد ملابسات حادث تعرض مهاجر مغربي…
الجالية24 ذكرت مصادر إعلامية أن القضاء الإيطالي يستعد إلى إعادة فتح التحقيق في قضية “روبي غيت”، المدرجة…
الجالية24 أعلنت شركة السفر الجوي “إيزي جيت” (Easy Jet) منخفضة التكلفة بتوسيع رحلاتها إلى المغرب التي ستنطلق…
الجالية24 علمت “الجالية24”من مصادر مطلعة أن محمد الأكحل القنصل العام للمملكة المغربية بجهة لمبارديا الواقعة شمال إيطاليا…
لقد وَلَّد الاحتكاك مع الديموقراطية الغربية، مثلًا، ارتباكًا كبيرًا لدى الإنسان العربي والمسلم عمومًا، مما حدا بكثير من المثقفين إلى البحث عن صيغ لتبيئتها في التجربة التاريخية الإسلامية وتأصيلها في المأثورات النصية. فعوض التعامل مع الديموقراطية بوصفها قيمة ومفهومًا جديدين لم تُبكِّر الإنسانية لاكتشافهما قبل الأزمنة المتأخرة، يسعى رواد التأصيل لاختزالها في تجربة اجتماع السقيفة، أو ردها إلى مصطلح الشورى؛ وفي هذا المسعى تعسف واضح، يُحمِّل التجربة الماضية ما لا تحتمل من معاني الحاضر، كما يحصر النصوص الداعية إلى إعلاء القيم الأخلاقية في شكل واحد من أشكال الممارسة المتعددة واللامتناهية.
ولا يسلم المؤصل في مثل هذه الحالات من الوقوع في آفتين عظيمتين: آفة التجميد وآفة التقديس. فالمؤصل للديموقراطية يسعى، عن قصد أو غير قصد، إلى تجميد ظاهرة متحركة، لم تبلغ بعد منتهى حسنها أو قبحها، في تجربة تاريخية يراد الاحتكام إليها بوصفها نموذجًا مكتملًا؛ كما أنه يسقط من حيث لا يشعر في تقديسها إذ يطلب لها أصلا في النصوص المقدسة.
هذا في حين أن أصحاب الديموقراطية لا يقرون لها بقداسة تذكر، كما أنهم لا يقولون باكتمال نضجها. فهذا أحد صناع الديموقراطية الغربية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو رئيس وزراء بريطانيا وينستن تشورشل، يقول: «الديموقراطية: إلى الجحيم!»؛ ويبدي استعداده للتخلي عنها متى ما ظهر ما هو أفضل منها. فالديموقراطية في نظر صناعها هي ممارسة تخرج بالمفهوم وبالقيمة من طور إلى طور، وبالتالي فوجهة المشتغل بها هي المستقبل المخبوء؛ أما وجهة المؤصل لها فهو الماضي المعلوم. وحين تستنفذ الديموقراطية أغراضها، تجد المؤصلين في ورطة، يلهثون من جديد من أجل تأصيل الظاهرة الجديدة التي أتت بدلها. وهكذا يكون التأصيل أداة من أدوات نفي العرب والمسلمين من التاريخ.
ومن الظواهر الدالة على حالة الانحسار والتراجع في السياق الثقافي العربي والإسلامي ظاهرة الإعجاز العلمي. فمعلوم أن مقصد المشتغلين بهذا الفن هو رد كل مكتشف علمي جديد إلى النصوص الدينية المقدسة، بغرض التأكيد على سبقها إلى الإشارة إلى الحقائق العلمية وإثبات مصدرها الرباني، ثم تعزيز قدسيتها في النفوس. يجلي لنا الاشتغال بهذا الفن كيف يتم توظيف المنظومة العلمية الحديثة لأغراض دعوية فقط، لا بغرض الإجابة على التحديات التي صار يطرحها الواقع اليومي على رجل العلم. فإذا كانت وجهة رجل العلم في المجتمعات الحديثة هي الواقع الكوني، فإننا نجد الكثير من رجال العلم في السياق العربي والإسلامي منصرفين وجهة النص، يرومون تأصيل مكتشفات الآخرين العلمية فيه. وهذا ضرب آخر من ضروب إخراج العرب والمسلمين من التاريخ والجغرافيا. في حين يدخل غيرنا المَخْبر كي يخبروا حقيقة الأشياء، ندخل نحن المخبر من ورائهم لنصل الحقيقة المخبرية بالخبر الديني.
إن ظاهرة الإعجاز العلمي وشبيهاتها من الظواهر تصب في تضخيم المنظومة الدعوية على حساب المنظومة العلمية، وتساهم في إيهام الأجيال المتعلمة بأن العرب والمسلمين يشتغلون بالعلم، والحال أنهم يشتغلون بالدعوة، وما العلم عندهم إلا شكل من أشكال الفلكلور، يفزع إليه لدغدغة عواطف الشعوب العربية والمسلمة. أما العلم والاهتمام به في واقع المسلمين اليوم فهو في انحسار.
لا مناص للعرب والمسلمين، وهم يحيون تحت سقف العولمة، سوى التخلص من عوالق عصور الانحطاط، ثم وصل ذواتهم بالتراث من جهة، بحثًا عن روح الإبداع فيه، لا من أجل تكرار إبداعات السلف أو اجترارها؛ ووصل ذواتهم من جهة أخرى بالعصر، بحثًا عن سبل الاستفادة مما يتيحه من أدوات مسعفة في ترميم الذات وتجديدها. ويقتضي هذا الأمر، من جملة ما يقتضيه، مراجعة معاني «الخصوصية» كما تقررت في الوعي العربي والإسلامي الجمعي؛ إذ ليست الخصوصية مجرد ملجأ نفزع إليه حين تداهمنا القيم والمفاهيم الجديدة، أو فضاء نؤصل فيه مبتكرات الآخرين؛ بل الخصوصية هي في أبهى تجلياتها ما به نساهم في إثراء الثقافة العالمية وإغنائها، عملًا بمقتضى مبدأ «تتميم مكارم الأخلاق». وليعلم رواد الخطاب الثقافي في العالم العربي والإسلامي أن البشرية في زمن العولمة لن تقبل منا العودة إلى القيم الخاصة إلا بشرط أن يكون في هذه العودة ما يزكي ويدفع بالقيم الجديدة المقررة باتجاه الأفضل والأحسن.
إن التحدي الذي يواجه العرب والمسلمين اليوم يكمن في إيجاد نوع جديد من التأصيل لا يخرجهم من التاريخ، تأصيل يروم نفث الأخلاق في الممارسة الحية للعدل والحكم والسلطة والتربية والتعليم والكسب الاقتصادي والصناعة العلمية، عوض الاكتفاء بتجميد هذه الممارسة في منظومة كلامية نصية.
لم يعد الانتساب قولًا إلى الأخلاق الإسلامية كافيًا؛ فما كل من قال قولًا وفى، كما قال الشاعر. إنما صار لزامًا على المنتسبين إلى هذه الأخلاق الاجتهاد من أجل توطينها في الواقع العملي، ذلك أن الله لم يخلق الناس ليبلوهم أيهم أحسن قولًا، بل أيهم أحسن عملًا. وإن من العجائب أن ترى العرب المسلمين من أكثر الناس تقاعسًا حين يتعلق الأمر بتنزيل القول إلى مضمار الفعل، وأسرعهم إلى تأصيل الفعل في مضمار القول.