«رسالة الأمة» في لقاء خاص مع عميد المسرح المغربي الأستاذ عبد القادر البدوي:
وزارة الثقافة تدار بمنطق «الشلًة» الحزبية و ليس بمنطق الكفاءة وتكافؤ الفرص واحترام الرأي و الرأي الآخر
طرد الوزير لي وللمديرة الفنية لمسرح البدوي يؤكد على مدى الانفلات الأخلاقي الذي أصبح يطبع المشهد السياسي في وطننا
عبد القادر البدوي ذاكرة وطنية ورمز ثقافي شامخ يختزل تاريخ المسرح المغربي والثقافة الوطنية بكل تحولاتها منذ الخمسينات إلى اليوم. تاريخ حافل بالعطاء والإبداع اللصيق بقضايا الأمة والإنسان..وقضايا المهمشين والمقهورين والبسطاء ومن مختلف الشرائح الاجتماعية.. إنتاجه الغزير يترجم مراحل هامة من تاريخ المغرب ومن التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها بلادنا. أرخ لها بعين المبدع وإحساس الوطني المناضل الغيور على وطنه، الذي يعتبر نموذجا يحتذى في الصمود والكفاح والاستمرارية، من أجل خدمة المسرح المغربي والثقافة الوطنية، رغم كل الإكراهات التي تتعدد وتختلف باختلاف المسؤولين، والعقليات التي يوكل لها أمر تدبير الشأن الثقافي. آخر هذه الإكراهات كانت من طرف ممن أسماهم البيان الأخير لمسرح البدوي برموز الفساد، والتي كانت وراء مايتعرض اليوم له مسرح البدوي من اضطهاد وإقصاء لا يخلو من استخفاف بالذاكرة الوطنية ورموزها الثقافية من لدن وزارة الثقافة ومحيط وزير الثقافة والذي بلغ ذروته بطرد الوزير لعبد القادر البدوي وللمديرة الفنية لمسرح البدوي حسناء البدوي «في مشهد يؤكد على مدى الانفلات الأخلاقي الذي أصبح يطبع المشهد السياسي في وطننا.» كما أكد لنا الأستاذ عبد القادر البدوي في هذا اللقاء الذي كشف لنا من خلاله عن العديد من تفاصيل هذا المشهد ودوافعه وخلفياته وعن بعض القضايا التي تحكمت حتى الآن في المشهد الثقافي، والخلط الحاصل بين ما هو ثقافي وما سياسي على حساب الإبداع الوطني.
أجرى اللقاء: محمد بوحمام
بيان الذكرى 62 لتأسيس مسرح البدوي كان بمثابة صرخة إدانة مدوية للسياسة الثقافية بالمغرب وتساؤل صريح عن المرجعية التي أصبحت تدار منها وزارة الثقافة وعن تجرؤ وزير الثقافة على رموز ثقافة الوطن…فماذا يجري الأستاذ عبد القادر البدوي…؟
عبد القادر البدوي: البيان الذي أصدرناه يوم 14 ماي بمناسبة اليوم الوطني للمسرح كان قراءة واضحة للمشهد الثقافي و المسرحي ببلدنا وصرخة لمسرح يحتفل بمرور 62 سنة على تأسيسه ولازال يعاني الاضطهاد والإقصاء والتهميش بسبب مواقفه الوطنية ومضمون أعماله الفنية وآرائنا المنتقدة للسياسة الثقافية المعاكسة التي تستهدف مقومات الهوية المغربية الأصيلة. مارسنا حقنا المشروع في التعبير عن رأينا كمثقفين وفنانين محترفين من تولي حقيبة وزارة الثقافة من طرف وزير لا علاقة له بالوسط الفني والثقافي في المغرب، مما شكل له أزمة في التعامل مع رموز الثقافة الوطنية، بالإضافة إلى سوء اختياره لمعاونيه حيث أوكل شؤون المسرح المغربي لشخص ليس له تاريخ مسرحي يذكر. كما أنه ليست له أية مؤهلات أكاديمية عليا في المسرح هذا بالإضافة إلى فريق من الموظفين الأشباح ونقابة غير شرعية تطبل للوزير وسياسته وتتصدى للمسرحيين المعارضين لسياسة الوزير. خصوصا وأن هذه النقابة يتزعمها موظف بوزارة الثقافة وعضو في حزب الوزير. وهكذا أصبحت وزارة الثقافة تدار بمنطق «الشلًة» الحزبية و ليس بمنطق الكفاءة وتكافؤ الفرص واحترام الرأي والرأي الآخر. رأينا المعارض أزعج الوزير وشلته فبدأ مسلسل الإقصاء الممنهج لمسرحنا من جميع التظاهرات الثقافية الوطنية التي تنظمها وزارة الثقافة داخل المغرب و خارجه ومن كل الاجتماعات واللقاءات التي تخص المسرح والتي تنجم عنها قرارات تفرض علينا نحن الفنانين المحترفين ولم نشارك في صنعها في حين أن هذه الاجتماعات يحضرها الموظفون المحسوبون على المسرح الاحترافي ليصوتوا بـ”نعم” ، وكذا إلغاء الدورة 40 و41 من مهرجان مسرح البدوي بمدينة إفران، وتوقف تعامل وزارة الثقافة مع مسرح البدوي وإنتاجاته المسرحية في إطار قانون الترويج، بحكم أننا فرقة تنتج أعمالها سنويا. وبلغت الأزمة ذروتها بطرد الوزير لي وللمديرة الفنية لمسرح البدوي حسناء البدوي خريجة الجامعة الأمريكية بنيويورك تخصص مسرح وهي من الأطر العليا المغربية الدولية وتمثل المملكة المغربية في عدد من مؤتمرات القيادات الثقافية الدولية ، في مشهد يؤكد على مدى الانفلات الأخلاقي الذي أصبح يطبع المشهد السياسي في وطننا.
رسالة الأمة: من المعلوم أن مهمة النقابة في أي مجال هي الدفاع عن حقوق المهنيين والوقوف في صفهم في كل ما قد يتعرضون له من مضايقات، مهما بغلت درجة الخلاف في ما بينهم. فكيف لنقابة الفنانين أن تعقد زواجا كاتوليكيا مع الإدارة في شخص وزارة الثقافة أمام تقاطع المصالح بين السياسي والنقابي كما يتضح من خلال خلافكم الحالي مع الوزارة المذكورة.
عبد القادر البدوي: هذه التقاليد النقابية التي تتحدث عنها موجودة في دول أخرى ترسخها وتدافع عنها النقابات الشرعية للفنانين و لكنها منعدمة في بلدنا. ففي التجربة المصرية مثلا، نقابة الفنانين تدافع عن الفنان حتى ولو كان مخطئا. فلو حصل أن تعرض فنان رمز لما تعرضت له من إهانة وطرد. فالنقابة تتضامن مع الفنان وتضغط لإقالة الوزير والحكومة تستجيب. والكوميديا السوداء أن في أزمتي مع الوزير النقابة ـ لأنها غير شرعية ـ لم تكلف نفسها عناء ولو الاتصال بي هاتفيا، لتقصي الحقائق أو حتى متابعة حالتي الصحية التي استاءت بعد الطرد و التي نقلت على إثرها إلى المستشفى العسكري، بل على العكس كانت النقابة غير الشرعية أول المدافعين على الوزير. وهذا طبيعي لأن النقابة غير الشرعية تستمد شرعيتها من السلطة و ليس من الفنانين المحترفين.
رسالة الأمة: هذا يعني تسييس العمل الثقافي بطريقة غير مباشرة وإقصاء الرأي الآخر ..فهذا التداخل غير مفهوم ففي الوقت الذي كان من المفروض الاستعانة في المكاتب الاستشارية ببعض الرموز الثقافية يتم اعتماد أناس بدوافع سياسية ونقابية
عبد القادر البدوي: نعم فهذا يحدث للأسف في ظرف لا يسمح به الدستور بتاتا في أجواء الانفتاح والدمقرطة وتحديد المسؤوليات وتكريس حرية الرأي والتعبير. وهذا ما قلناه لوزير الثقافة في أول لقاء بمكتبه ، سألني إذا كنت أدرس المسرح أو أعطي محاضرات بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ، أجبته أن اتجاهي المسرحي ممنوع تدريسه لطلبة المعهد فبالأحرى أن أدرس أو التقي بطلبة المعهد. و هنا أتساءل عن المرجعية و عن الفكر الذي يقرر المناهج الدراسية بهذا المعهد. لأنه جريمة في حق الوطن ألا يدرس تاريخ المغرب بهذا المعهد وتاريخ المقاومة و الفكر الاسلامي وتاريخ المسرح المغربي بمختلف مدارسه و اتجاهاته بموضوعية و حيادية تنمي لدى الطالب نظرية التحليل وتحفزه على البحث الأكاديمي، لكي نصنع أجيالا من الفنانين لديهم مناعة فكرية قوية للحفاظ على الهوية المغربية وعلى مواجهة أي غزو فكري يستهدف تفتيت مقوماتها للنيل من وحدتنا. والمفارقة أن مسرحي يدرس في الجامعات المغربية الوطنية والجامعات العربية والدولية. تفاجأ الوزير من ردي ووعدني أن الوزارة ستنظم يوما دراسيا أتواصل فيه مع طلبة المعهد وتبخر المشروع مع نهاية اللقاء. </strong>
رسالة الأمة: هذا إشكال حقيقي تعيين وزراء للثقافة لاعلاقة لهم بالثقافة إذ تبقى على هذا الأساس مجرد مناصب سياسية لجبر الخواطر فقط
عبد القادر البدوي: نعم مع الأسف. لحد الآن لازالت الثقافة الوطنية في آخر أولويات الحكومات المتعاقبة مع أنها أساس التنمية المنشودة.
رسالة الأمة: رجوعا إلى النقطة المتعلقة بإلغاء وزير الثقافة لمهرجان إفران و رفضه لدعم هذا المهرجان واتهامه لكم بـ “الريع” في بيان “ديوان الوزير” الذي جاء ردا على بيان مسرحكم “يا وزير الثقافة ارحل” ما تعقيبكم؟
عبد القادر البدوي : الريع هو دخل مضمون لمدة طويلة من الزمن أي دخل متأتى عن عامل طبيعي ويعرفه بعضهم “كل دخل دوري غير ناتج عن العمل.” ومسرح البدوي يعمل و يتقاضى أجرا مقابل عمله. و نذكر السيد الوزير و ديوانه أننا تعاملنا مع وزارة الثقافة في إطار قانون الترويج لأننا فرقة محترفة بكل المقاييس مستمرة ننتج أعمالنا سنويا ونسوق عروضنا المسرحية لأية مؤسسة حكومية أو خاصة وما وزارة الثقافة إلا واحدة من ضمن هذه المؤسسات. أما فيما يخص دعم وزارة الثقافة لمهرجان إيفران فلم يتعد قط 60 ألف درهم في أحسن الحالات وأحيانا 20 ألف درهم فقط لا غير. وهذا دعم حقير لمهرجان وطني فريد من نوعه في منطقة الأطلس التي تفتقر لأي نشاط ثقافي عدا مهرجان مسرح البدوي السنوي الذي تحول إلى جزء لا يتجزأ من ذاكرة المدينة. إذ كنا نقدم فيه عروضا مسرحية للعموم وأخرى للأطفال بالإضافة إلى محاضرات وندوات عن المسرح لسكان المدينة والمصطافين بل أيضا لفائدة نزلاء السجن المدني بالمدينة. أنشطة المهرجان امتدت لكل من مدينة أزرو و ايموزار وعين اللوح. عروض الأطفال كانت تقدم بالمجان لفائدة أطفال المدينة وأطفال جميع المخيمات الصيفية بالمنطقة وعروض العموم كانت قيمة التذكرة لا تتجاوز 10 دراهم. كنت دائما أعتبر دعم وزارة الثقافة الهزيل دعما معنويا لأننا عندما ننظم مهرجانا مسرحيا تحت إشراف وزارة الثقافة المغربية فهو مكسب لمدينة افران وساكنتها وللثقافة الوطنية و المسرح المغربي وسيظل إرثا حضاريا للأجيال المتعاقبة. هذا المهرجان استوحيت فكرته عندما حضرت شابا مهرجان أفينيون بفرنسا واستفدت فيه من ورشات في فن الإخراج المسرحي تحت إدارة مؤسس هذا المهرجان المخرج المسرحي جون فيلار، وعدت إلى الوطن بهذا الحلم لأحققه في وطني ولتأسيس ثقافة المهرجانات المسرحية التي كانت منعدمة ببلدنا.إن مهرجان فيلار بأفنيون بدأ مستقلا أيضا في فرنسا تدعمه بلدية أفينيون ثم تبنته بعد ذلك وزارة الثقافة الفرنسية ليظل منارة ثقافية وحدثا مسرحيا عالميا سنويا. مات فيلار وعاش مهرجانه يحمل اسمه إلى اليوم لأن المناخ السياسي الديمقراطي الذي تنعم به فرنسا ليس هو نفس المناخ الذي لدينا والذي يفرز لنا من حين لآخر وزراء للثقافة لا علاقة لهم بالثقافة يعتبرون دعم المهرجانات المستقلة “ريعا” ثقافيا و يعدمون مهرجانا عمره 41 سنة في ميدان عام بحجة “القطيعة مع الريع” و”تطهير الوزارة” حينها لا صوت يعلو ولا فن يدعم سوى فن من يرقص على إيقاع السلطة.
رسالة الأمة: هذا يحيلنا أستاذ عبد القادر على إثارة المقاييس المعتمدة في توزيع الدعم المسرحي و موقفكم المعارض له
عبد القادر البدوي: موقفنا واضح من سياسة الدعم المسرحي التي أثبتت فشلها فنيا وثقافيا، ونجاحها في نسف المسرح المغربي الاحترافي، وفي إهدار المال العام دون رقيب ولا حسيب منذ حكومة التناوب الى الآن، وقريبا سأصدر كتابا عن هذا الموضوع تحت عنوان “ملحمة الدعم المسرحي”. فالمسرح مات مع سياسة الدعم، الذي يكرس لمفهوم الرقابة على الإبداع وحرية التعبير، إذ يعتمد على موافقة “لجنة ما” لتقرر في مصير إنتاج العرض المسرحي. فإذا كان العرض يحمل فكرا مناقضا للانتماءات الإيديولوجية للوزير وفريقه ولجنته، يرفض العرض! الدعم خصص لمحترفي المسرح أي الفنانين الذين لا يمتهنون أيه مهنة أخرى غير المسرح، والفاعلين في الحقل المسرحي والثقافي، هؤلاء عارض معظمهم، فكرة الرقابة أو الوقوف أمام لجنة من الموظفين لا تاريخ لهم. وللأسف المستفيدين الآن من الدعم هم شلة الوزير التي تطبل له و التي قادت ولازالت تقود حملة إعلامية رخيصة تستهدف تاريخي المسرحي و النضالي بهدف اغتيالي معنويا. و لكن هيهات! و من هذا المنبر أطالب بإلغاء الدعم المسرحي لايقاف نزيف المال العام وبفتح تحقيق في ملف الدعم المسرحي منذ حكومة التناوب الى الآن.
رسالة الأمة: تحدثتم في البيان الأخير عن رموز الفساد الثقافي، فهل من توضيح في هذه النقطة
عبد القادرالبدوي: رموز الفساد الثقافي نعني بها كل من يتاجر بثقافة الوطن.. كل من يتآمر على هوية الوطن.. ذوي الأجندات.. كل من يحاول اغتيال الذاكرة الحضارية لبلدنا…كل من يستهدف الجيل الجديد قصد إعادة تشكيل وجدانه وعقله لفصله عن جذوره والنيل من هويته.
رسالة الأمة: ماهو جديد مسرح البدوي؟
عبد القادرالبدوي: نحتفل هذه السنة بذكرى 62 سنة على تأسيس مسرح البدوي بجولة مسرحية عبر أقاليم المملكة نقدم خلالها عروضا للعموم بمسرحية “الأرض” وعروضا للأطفال بمسرحية “حكمة الأجداد” بالإضافة إلى معرض فوتوغرافي توثيقي لمرحلة تأسيس مسرح البدوي منذ 1952 تحت شعار “مسرح البدوي..ذاكرة مسرح..ذاكرة وطن” ومحاضرات وأوراش. انطلقت الجولة المسرحية يوم 14 ماي من الدار البيضاء بعروض بالمركب الثقافي سيدي بليوط والمركب الثقافي مولاي رشيد والمركب الثقافي حسن الصقلي وسيكون لنا موعد مع جمهور مدينة بني ملال يوم السبت 21 يونيو 2014 على الساعة 8 مساء بدار الثقافة.