تكاثر الحديث اليوم و يسيل الكثير من المداد حول العنف و أسبابه و من يقف وراءه. أحاول أن أتابع من بعيد الموضوع جسديا و عن قرب جدا روحيا و عاطفيا و عقليا، لأنني عشت مرحلة هامة من حياتي كشاهد عيان حول دخول العنف المنظم إلى الجامعة و حول كيف تم تخريبها و تآمر الجميع عليها و على الفكر التقدمي و الديمقراطي الحداثي فيها. كيف تم القضاء على الفلسفة و الفكر النقدي من طرف النظام و تعويضه بالدراسات الإسلامية و الفكر ألظلامي؟ و كيف دعم النظام سرا و علانية القوي المتاسلمة لاقتلاع شوكة القاعديين بالسيوف من الجامعة بعد أن عجز النظام القضاء عليهم بسجونه و قمعة و توقيفه لعشرات المناضلين و المناضلات.
من المؤكد أن للعنف في المغرب أسسه و أسبابه وجذوره، و هناك من صنعه و رعاه بل لازال يصنعه في غرف مغلقة، بالرغم إن بعض تمظهراته نراها في الجامعة أو غير الجامعة و يؤدي ثمنها الباهظ طلبة أبرياء متحمسين و عاشقين للعلم و الحرية.
سأحاول من خلال هذا المقال المتواضع أن أتناول كيف صنعت ثقافة العنف في المغرب من طرف أولائك الذين يريدون إحراق الشعب كله من اجل استمرار يتهم هم. و كيف مورس العنف ضد الخصوم السياسيين منذ المسمى «استقلال المغرب” إلى اليوم. و كيف تم اغتيال عشرات من اشرف و أنظف و أنبل وأقدس الأشخاص في المغرب الذين سقطوا شهداء دفاعا عن مغرب الحرية و الديمقراطية و الكرامة.
العنف ثقافة استعمارية
قد يرجع تاريخ العنف في المغرب إلى ما قبل الفترة الاستعمارية، لكن هذا المقال لا يتسع للوقوف عن ظروف تشكل المجتمع المغربي أو إلى تأسيس الدولة المغربية، لذا نود فقط الوقف عند العنف في مغرب الحماية و بعده.
لا يتناطح كبشان و لا يختلف اثنان بان الاستعمارين الفرنسي و الاسباني فرضا هيمنتهما على المغرب بقوة السلاح بما فيه الأسلحة الكيماوية التي استعملت في الريف. و بعد تصاعد المقاومة و تأسيس جيش التحرير، وافقت فرنسا الاستعمارية بشروط على استقلال المغرب في إطار اتفاقية اكس ليبان و ابرز هذه الشروط هو تصفية جيش التحرير شمالا و جنوبا لضمان استمرار مصالحها و هذا ما وافق عليه للأسف الحكام الجدد بالمغرب.
العنف في المغرب المستقل
يرجع أسباب التصفيات الجسدية إلى غياب دولة الحق و القانون في المغرب منذ “الاستقلال” إلى اليوم. فكل الاغتيالات السياسية و التصفيات الجسدية للمعارضين تمت خارج القانون و صمتت عليها العدالة بأوامر عليا، حتى أصبحت الحركة الوطنية متهمة اليوم بتصفية جيش التحرير. و حزب الاستقلال صفي المخالفين معه في الرأي (دار بريشة بتطوان مثلا)، تمهيدا له لتأسيس الحزب الوحيد بالمغرب.