لم تكد عاصمة أوروبا تمضي آخر ليلتها وهي ترتقب بكل شغف صبيحة اليوم الأحد لكي تلبس ملابس الانتخابات التشريعية المحلية وتتزين بحلل الانتخابات الأوروبية حتى يمسي سبتها أسودا وينقلب مهرجان سباق “جاز ماراطون بروكسيل” شبحا روع أمن صفوف الجالية اليهودية كما أربك باقي الجاليات الأجنبية المتخوفة من أن يكون الجاني أحد أفرادها.
على الساعة الرابعة إلا ربع من عشية يوم السبت وقبل هذا المهرجان الاحتفالي الذي كانت ستمر قوافل العدائين بجوار درب المينيم الذي تعرض فيه المتحف اليهودي لهجوم مسلح لم تشهد بروكسيل مثيله منذ الحرب العالمية الثانية كما أوضح “موريس سوزنوسكي” رئيس مركز تضامن المنظمات اليهودية ببلجيكا الذي لم يصدق في هذه المرحلة الأولية أنه ليس هجوما ضد السامية.
وحسب رواية إحدى السيدات التي شاهدت عن قرب تفاصيل العملية أن سيارة من نوع أودي وقفت في وضعية ثانية أمام المتحف ونزل منها شخص يحمل في يديه كيسين توجه مهرولا إلى داخله وسارع للتو في إطلاق وابل من الرصاص أدى إلى قتل سائحين يهوديين قدما من تل أبيب وعاملة استقبال فرنسية ومتطوعة بلجيكية ماتت بعد ساعات من نقلها إلى مستشفى سان بيير واثنا عشر حالة نفسية تعاملت معها مصالح الإسعاف على الفور.
ويعود المهاجم ببرودة دم يركب سيارته وينطلق كالبرق إلى اتجاه غير معلوم أمام نظرات المارة الراكضة وعيون الكاميرات الجاحظة التي تغص بهم العاصمة الأوروبية.
خرج المارة والجيران من سباتهم وأزالت ضبابية الرعب من أعينهم واقتربوا من متحف الأموات الذي تبكي جداره على جثث مرمية هنا وهناك تفترش دماءها وتتغطى بشظايا نحاس الرصاص وتتبخر بروائح البارود.
ماهي إلا خمسة دقائق حتى انبرى بين حشود الفضوليين المرتعشة أطرافهم وزير الشؤون الخارجية “ديديي رينديرز”الذي كان يتواجد بالصدفة في شارع صافون المجاور وجره صوت إطلاق الرصاص كما زعم ليكون أول شاهد رسمي للحكومة البلجيكية الذي وصف مشهد الضحايا بالمأساة خاتما كلمته بأن الشاهدة العيان سلمته أرقام لوحة السيارة ونوعها وأوصاف المجرم.
وتتكرر الصدفة مرة ثانية بتواجد السيدة جويل ميلكي وزيرة الداخلية بالقرب من مكان الحادث لتفصلها دقائق قليلة من وصول وزير الشؤون الخارجية لتكون ثاني مسؤول بلجيكي يتواجد بعين المكان جنبا إلى جنب مع قوات الأمن التي طوقت المكان وسدت كل المنافذ والشرطة القضائية والإسعاف وشخصيات مختلفة.
و أكدت وزير الداخلية أن مستوى التهديد تصاعد إلى الدرجة الرابعة القصوى وبأنه حسب اعتقادها يمكن أن يكون هجوما معاديا للسامية مما سيتطلب حضور الشرطة الدائم كما صرح المكتب المركزي لتحليل التهديد في أعقاب ذلك أنه ليست لديه معلومات سيكون فيها أمن المواطنين في خطر وخاصة اليوم الأحد الذي تمتلئ فيه مكاتب الانتخاب البلدية ،الإقليمية ،الفدرالية والأوروبية ،وتم تخصيص اجتماع تنسيقي طارئ جمع كل من وزيرة الداخلية “جويل ميلكي” ورئيس الوزراء البلجيكي “إيليو دي روبو” ووزير العدل انمي تورتيل ،وعمدة مدينة بروكسل” إيفان مايور”وشخصيات من المحكمة ومن مختلف المصالح ببروكسيل نتج عنه قرار عاجل لوزارة الداخلية يرفع فيه من مستوى التهديد ضد المصالح اليهودية بالعاصمة بروكسيل وسائر أنحاء بلجيكا حسب المعلومات المخابراتية المتوفرة لديها في الوقت الراهن ، وتبحث في تشكيل وحدات حراسة دائمة على مقراتها.
وعبر في نفس السياق “إيليو دي روبو” الوزير الأول عن أسفه لحدوث مثل هذه المأساة و تعاطف مع القتلى وأسرهم مدينا بشدة هذه العملية الخطيرة التي لا يرى مبررا لها ،وأن المملكة البلجيكية وكل البلجيكيين باختلاف لغاتهم وأصولهم وديانتهم يتعاطفون مع الجالية اليهودية ببلجيكا ويتضامنون معها ويدينون هذا الهجوم ،مضيفا أن مصالح الشرطة والعدالة تعملان جنبا لجنب للتعرف على الجاني أو الجناة وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة وأنه سيعمل مع وزيري العدل والداخلية ومع كل المصالح المعنية في سبيل ذلك.
وأعلن “جويل روبينفيلد” رئيس الرابطة البلجيكية المناهضة للاسامية والرئيس الأسبق لتنظيمات الجالية اليهودية ببلجيكا في بيان صحفي أن هذا العمل إرهابي والقاتل دخل بكل حرية إلى المتحف وقام بعمليته الإجرامية تم انطلق بسيارته وهذه إحدى نتائج حرية كلمة اللاسامية في جو تغذيه الكراهية. في حين أوضح “إيفان مايور”عمدة العاصمة بروكسيل أن العملية الخطيرة ممكن أن تكون عملا إرهابيا مشيرا على أن كل المسؤولين عن المتحف اليهودي متواجدين الآن بداخله ولا يعرف إن كان الذي تبنى الهجوم من غريب أو من أحد أفراد العاملين بالمتحف وقال أن الشرطة في الطريق الصحيح للإطاحة بالمهاجم.
هذا وانعقد مؤتمر صحافي حضره الوزير الأول”إيليو دي روبو” الذي صرح في كلمته أن بلجيكا حركت كل ما يمكن تحريكه في إطار هذا المأساة المرعبة،وأضافت عليه وزيرة الداخلية “أنيمي ميلكي” أن أمن الدولة بكل أجهزته يساعد المحققين العامين والفدراليين،بينما أعلنت” إين فان ويميرش” المتحدثة باسم محكمة بروكسيل أن الشخص الذي ألقي عليه القبض بعد العملية أصبح شاهدا ولم يعد متهما،وأوضحت أن الشرطة ما زالت تبحث عن شخص آخر لم تتعرف عليه بعد ،سبق أن التقطت له كاميرات المراقبة صورا وهو يجري مشتبهة بصلته بالواقعة، وأجابت عن تساؤلات بعض الصحافيين أن المحكمة لا تتوفر لحد الآن على كثير من العناصر لكي تتأكد من أنه عمل ضد السامية أم لا،وأشارت أن ملف التحقيق تسلمته قاضية التحقيق “برناردو منديز” المتخصصة في قضايا الإرهاب الدولي.
وأعلن مصدر من القصر الملكي أن الملك فيليب غاضب هو الآخر لتعرض المتحف اليهودي والجالية اليهودية للهجوم المسلح وقدم تعازيه لأسر وأقارب كل الضحايا.
وأسفر الحادث من جانب آخر عن انسحاب رموز من ستة أحزاب رئيسية فلامنكية كانت ستشارك ذلك اليوم في آخر النقاشات حول حملة انتخابهم ،وأعلنوا عن تنديدهم للاعتداء بأشد العبارات وأعنف الاتهامات، وتحدث وزير رئيس الفلمنكية “كريس بيترز” نيابة عن الأطراف الستة قائلا: احتراما للضحايا ولأسرهم علق المنتخبون الفلامانيون الستة مشاركتهم في الحملة الأخيرة للمناقشة، وأقدم بدوري أعمق التعازي لكل أفراد الجالية اليهودية ولجميع الأشخاص المعنيين بذلك .
ختاما ، تبقى أسئلة عالقة : لماذا وقع هذا الهجوم في يوم كان مخصص للمراطون وهل كانت ستحدث مجزرة تفوق هجوم بوسطن إذا تصادف مع ساعة مرور العدائين؟فهل هذا كان بالصدقة أم كان مدبرا؟ وهل هو عمل إرهابي ،انتقام،أم لا هذا ولا ذاك؟ ومن يا ترى يكون وراء الهجوم؟
وقوع الهجوم بيوم قبل الانتخابات التشريعية والأوروبية هل هذا له دلالة بتحسين وجه إسرائيل وعودتها للحاضرة الأوروبية بتشريعات تصب في مصلحتها؟
تواجد الوزراء بقرب مسرح العملية يجعلنا نتساءل هل هذا بالفعل حظ أم أن رياحا حركت السفن في اتجاه معين ؟
في انتظار ما ستفرج عنه الساعات والأيام وربما الأسابيع والشهور يبقى الضحايا الأبرياء هم من يؤدون الفاتورة في آخر المطاف.