مهما تكاثرت الخطابات و الدراسات و تنوعت الإحتفالات بـــ المغاربة القاطنين بالخارج ، فإن الذي سيبقى ثابتا هو أن هجرة و ’’حريك’’ هذه الفئة الواسعة من أبناء المغرب من وطنهم ، تظل بمثابة مرآة صافية تعكس حجم الفشل الذي يُلازم ، و منذ عقود ، سياسات و برامج من أسندت إليهم مهام تسيير المغرب و إصلاح شؤونه .
و بدون عناء تحليل أو ملاحظة ، فـلو لم تصاب الدوائر السياسية المغربية الحاكمة بالتدهور ، المصحوب بتشوه سمعة الفاعلين فيها ، و فقدانهم للمصداقية والثقة داخل المجتمع المغربي ، و لو لم يكن لذلك مضاعفات كارثية على الطبقات الشعبية ، من تردي للأوضاع الإجتماعية و الفكرية و تأزم الحالة الإقتصادية … ، لولا ذلك و غيره كثير، لما قرر المغاربة شيبا و شبابا ، حزم أمتعتهم و ترك بلدهم و بيئتهم ، ثم الرحيل و الهجرة بعيدا عنه .
إن الخروج و الهروب من المغرب، بشتى الأساليب و الوسائل نحو البلدان المتقدمة ، بلا شك يعَدُّ خسارة و ”حْشُومَة ” و وَصْمة عارٍ على جبيننا و جبين مسؤولينا مهما علا شأنهم .
و بما أن الأمر كذلك ، فلقد إستعصى علي ـ و أنا واحد من المغاربة اللاجئين إقتصادياً بالخارج ـ هضم فكرة هذا ” اليوم العجيب “،الذي أراده من بيدهم القرار،أن يكون عيداً يحتفى فيه (بإخوانهم أفراد الجالية المغربية المهاجرة ) ، وهو يوم 10 غشت ،المعروف بــاليوم الوطني للجالية المغربية المُقيمة بالخارج .
حقيقة ، لقد عشنا حتى أصبحنا نحيا زمانا ،لا بد فيه للمغاربة أن يتركوا بلدهم و يهجروه ، لكي يجدوا بعد ذلك ، عند مسؤوليهم الإهتمام و الإحترام الكبيرين ، أقل ما يمكن أن يقال عنهما أنهما زائفيْن كاذبيْن .
سأُصدِّق أننا نحن “مغاربة العالم”، نحضى بكامل الرعاية و الإهتمام لدى من إخترَعُوا هذا العيد عيد اليوم الوطني للمهاجر، و أن المغربي المُغترب و المغربية المغتربة ، يوجدان على رَاسْهُمْ و عينِهمْ ، لأَطالـب بإجاباتٍ على تساؤلاتي البريئة التي لم تدع خاطِري ينشرح لعيد يوم 10 غشت الفريد .
و أتساءل بداية ، إن كان يوجد فعلا واحد أو واحدة من أبناء المغرب ، خلف البحار، من يلتفتُ إلى عيده الممنوح هذا ؟ .
و هل الجالية المغربية بدول المهجر، هي في حاجة إلى أعياد و أيام و ما شابهها ؟، أم هي في أمس الحاجة إلى من يصارحها، و ينظر إلى مشاكلها الحقيقة، و يعمل على إيجاد حلول لها، بتغيير السياسات المعتمدة في وقتنا الراهن ،و التي يتم بها التعاطي مع شؤون المغاربة في بلدان مهربهم ؟.
إن تخصيص يوم من أيام شهر غشت ، و جعله يوما وطنيا لـــمن حملوا حقائبهم ، ثم غادروا نحو دول و مجتمعات القوة و التحرر و إحترام الإنسان ، يجرني إلى الإستمرار في طرح أسئلة أخرى :
فهل من الطبيعي و من المعقول، أن لا يستفيد مغربنا بجميع قطاعاته الإجتماعية والإقتصادية و السياسية و الفكرية و الرياضية…، من أُطُره و عقوله و طاقاته و أبطاله و قواه النشيطة،التي تُغادرهُ بكل بساطة ،لتلتقط و تُستثمر و تستغل في تنمية دول الإستقبال ؟.
و هل حقق المغرب إكتفاءه الذاتي من أبناءه و كفاءاته في كل الميادين ، حتى شرع في الإحتفال بمن هاجر منهم نحو الخارج ؟.
و هل تعمل دولتنا ممثلة في وزارتنا المكلفة بشؤوننا صادقة ، على الإحتفال بالمهاجر كل يوم 10غشت و تكريمه ،أم أن هذا المهاجر ، ما هو إلا قنطرة في حساباتها ؟؟ ، لتحقيق أهداف غير معلنة ؟ .
و أ نسي أم تناسى واضعوا الإحتفال بالجالية ، تلك الدوافع و الأسباب المُدوية ، التي تدفع المغاربة إلى خوض مغامرات الهجرة و الهروب ؟ .
و من أي سلة للمهملات إستخرجوا هذا العيد العجيب ؟ أ يفتخرُون و يعتزون و يحتفلون، بمن يخرجون من وطنهم ؟.
كان من الأنسب بمسؤولينا الساهرين على قضيتنا ، أن يسارعوا إلى دس وجوههم، و كلهم خجل ، كون ملايين المغاربة لم يجدوا ما يستحق البقاء في مغربهم ،فلم يجدوا من بديل سوى تركه خلف ظهورهم .
لقد كان من الأجدر بمسؤولينا ؟؟ أن يدسوا و جوههم الموصوم بالعار، لأن أبناء الشعب المغربي ، لم يجدوا في بلدهم ما يستحقونه للبقاء فيه .. فهجروه هجرا.
أ مجانب للصواب ، إن قلتُ أن المهاجرين صاروا،عند حاكميـنا ، مجرد أرقام و أوراق ، يتم توظيفها في الحسابات الإقتصادية الضيقة ،و إستخدامها داخل المعادلات السياسية و الدينية التي لا تفضي إلى نتيجة ؟؟ سوى إهدار للجهود و الأموال العامة التي يستفيد منها و للأسف سماسرة الهجرة و عديمي الضمير .
أ لا يحق للمتبجحين بعيد المهاجر، أن يحمروا و العار على محياهم ، كون العديد من رعايا صاحب الجلالة المهاجرين في بلدان كإسبانيا ، يسدون رمقهم و رمق عائلاتهم مما تتفضل عليهم الكنيسة أو مما يلاقونه في القمامات ..؟.
أجوبة التساؤلات أعلاه، واضحة كوضوح تناقضات من فقدوا حاسة الخجل ، ختى أصبحوا يُثيرون إستهجان كل من يراهم ، و هم يحتفلون و يرقصون على أنغام إَخْفاقاتهم ، في وضع البلد على سكة الديموقراطية الكاملة و التنمية الشاملة ، لعل بذلك تَتحسن ظروف عيش أولاد الشعب و بناته ، و يستغنون عن شدِّ الرّحال و الهروب .
إِيماني العميق بأن المُتحكمين في زمام أُمور المغرب ، لم و لا و لن ، يُبالوا بمثل هته الكلمات البسيطة ، لا يضاهيه سوى إقتناعي المطلق، بأن الخِطاب الرسمي السائد حول عار الهجرة ، و معه الأُساليب المُتناولِة به أوضاع الجالية المغربية ، مبتغاهُ المستتر هو الترويجُ لثقافةِ الهجرة ، و التثبيت في ذهنية عموم المغاربة ، بأن رحيلهم ، يُعدُّ من النجاحات الإجتماعية المرغوبة ، و ما هذا التخليد السنوي لليوم الوطني للمهاجر ، إلا رقم في هاته المعادلة المذمومة ، معادلة الدفع نحو الخروج بأي طريقة بعيدا عن البلد .
أخيراً ستبقى الأعياد الحقيقية للجالية المغتربة ، هي تلك الأيام التي يـسمعـون فيها أخبارا حقيقة مفرحة عن مغربهم ،و هو يخطو الخطوة تلوى الأخرى ، على درب إحترام حق الإنسان في الكرامة و النماء و الديموقراطية .
عيد المهاجر الحقيقي، هو يوم عودته النهائية للعيش وسط ثقافته و بيئته الأصليتين ، و المساهمة في بناء مغرب الجميع.
و في إنتظار هذا العيد الغائب ، و الذي يبدو ضربا من الخيال ، يظل يوم 10 غُشْت، هو يوم يغالط فيه الرأي العام الوطني ، و إهانةٌ متخفية في ثوب الترحيب و الإحتفال بمن تركوا بلداتهم و مداشرهم .. نحو متاهات الإغتراب .
abuhidaya@gmail.com