النتائج المباشرة التي جاء بها الربيع العربي هو تنحي قيادات عربية لبلدان عديدة , مع العلم أن الظواهر السياسية التي رافقت تلك العملية لازالت لم تستقر على حالة مستقرة , وربما سوف يطول الامر لسنوات عديدة حتى يظهر على السطح بصيص من الامل يبشر بشيئ من الاستقرار النسبي .
لقد كانت هناك أطماع كثيرة في أن تتحسن الامور بدرجة أحسن مما كانت عليه في ليبيا وتونس ومصر واليمن وسوريا والعراق , ودول أخرى لازالت الاوضاع فيها غير واضحة المعالم , وهو الامر الذي يجعل التكهن بمجريات الامور غير بائنة بشكل نهائي .
البلد العربي الوحيد الذي تجاوز موجة الرياح العربي بسلام هو المغرب الا قصى , ولمعرفة الاسباب التي ساهمت في ذالك لابد من الرجوع الى الوراء شيئا ما للنبش في التاريخ لمعرفة الاسباب والاسرار التي تقف بجانب الوحدة والتوافق بين جميع مكونات شرائح المغرب رغم أنه يشهد تنوع عريض على مستوى خصائص مواطنيه ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وعرقيا ولغويا .
المؤشر الاول , أو العامل الاول هو الملكية , حيث ألف المغاربة نظام الملكية واستأنسوا به منذ عهد بعيد , بل وحققوا معه أهداف لا مثيل لها , ويشهد بذالك التاريخ المعاصر , وعلى سبيل المثال يرجع مكوث العرب بالاندلس الى ما يناهز 781 سنة , يرجع فيه الفضل الاول والاخير الى سلاطين المرابطين والموحدين , بما فيها معركة الزلاقة التي حصنت سقوط الدولة الاسلامية بالاندلس من الخسائر وأخرت زحف الجيوش المعادية لاكثر من عقدين من الزمن .
أما المرينيون , فقد حافظوا على الاندلس كما فعل من سبقهم في الحكم , وتوسعوا في الجنوب الصحراوي ووصلت حدود المغرب في عهدم الى مصراتة المطلة على بلاد مصر .
معركة وادي المخازن الشهيرة يرجع فيها الفضل الى سلاطين السعديين , والتي أبعدت الحلم البرتغالي عن استعمار بعض الموانئ المغربية بصفة نهائية .
في عهد الملوك العلويين , وقعت تحديات كبيرة , في مقدمتها مواجهة الحماية الفرنسية التي انتهت بحصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 , كما استرجع المغرب الصحراء من دولة اسبانيا سنة 1975 في عهد الحسن الثاني رحمه الله .
دولة الادارسة التي كان مقرها مدينة فاس , عملت على توحيد المغاربة بالدين الاسلامي أولا , وربما قد تكون هذه المبادرة هي اللبنة الاولى التي افضت الى التلاحم والتوافق بين الشعب والسلطة , والتي برجع اليها الفضل الى يومنا هذا .
طبعا هناك فترات تطاحن مر بها المغرب انقسم خلالها الى كيانات سياسية جهوية , بين القبائل الحاكمة , اٍلا أنها لم تدم طويلا , ولم تؤثر كثيرا , لآن هاجس الوحدة المستمد من الشريعة الدينية كان هو العامل والهاجس والوازع لكسب ود القبائل و تهيئها لمناصرة ومؤازرة الاسر الحاكمة طوال التاريخ .
اليوم رغم أن التركيبة التسكانية تغيرت شيئا ما , حيث انصهرت منظومة القبائل في منظومة الاحزاب , لكن المغاربة لا زالوا يحتفظون في ذاكرتهم بأن مرجعية الملكية المقترنة بالدين الاسلامي هي الانجع والانسب بالنسبة لقيادة الدولة المغربية , وهي نقطة التلاقي بين جميع الشرائح المكونة للشعب المغربي , والذي يظم العديد من الاجناس العرقية : العرب – الامازيغ – الافارقة – الموريسكيون – الصحراويون .
من جهة أخرى , عندما يقارن المغاربة ما يجري في دول الجوار أو الدول التي كان يقودها رئيس , يطفو على السطح ما يعزز اختياراتهم من خلال المقارنة لما يقع من تطاحن على السلطة واٍبادة شبه جماعية لكل من يعارض الحزب الحاكم في بعض الاقطار العربية .
القوى العظمى التي استفحل بطشها تستغل أيضا هذه النقط بدهاء كبير, اٍما من خلال فرض شروط قاسية للوصول الى مصالحها شريطة لغض البصر عن الخروقات التي يستعملها بعض القادة فيما يخص الفوز بكراسي الرئاسة . واٍما من خلال تكريس الطائفية بين المواطنين لخلق الفوضى وتخريب الوطن بأيدي طوائف من ساكنته وأبناء البلد .
في نفس الوقت اصبح الهاجس الاول هو الاستقرار و تثبيث الامن والتصدي لاعداء الوحدة الوطنية بشكل عام في العالم العربي , وقد اختلفت الاراء بين مؤيدين للتكتلات الاقليمية ومناصري الاهتمام بالوعي الوطني ومدى أهميتة على الاستقرار والوحدة في زمن المؤامرات والمصالح الاقليمية .
محمد بونوار رئيس جمعية الوحدة والمواطنة
كاتب واعلامي