هو فنان مسرحي استثنائي ، يشبه الطاقة . وكما رحلة الإبداع الإنساني علمتنا ، فالطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم .. تماما كما الفنانذاكرة الحياة الحقيقية وليس التاريخ ، فما قد يغفله التاريخ أو ينساه ، يخلده الفنان أو يستبقيه.
 بداية الرحلة ..قضايا مسكوت عنها .
أعماله طبعت ولا تزال تطبع المشهد المسرحي منذ عقود انطلاقا من بداياته الفنية المبكرة، عبر لوحات عن الفساد والمفسديين وإثارةقضايا كان مسكوت عنها انذاك ، إلى المسرح ولكن ليس على ركحه بل في الساحات والجامعات ،مع جمهور كان اغلبه من طلبةومناضلين. 
هكذا ابتدأت مسيرته ( وطبعا بعد تجربة “بزيز و باز” مع بداية السبعينات ) …كان الإنطلاق وكان “عرس الذيب” اللوحة الساخرة التي ‘تنبأ’فيها بانفجار بركان الشعوب “المستضعفة” ، ثم عرض “أبو رشوة”، ذاك المرتشي الذي يستبيح الضمائر والذمم، وعرض “الفيزا والباليزا”عودة المستعمر القديم إلى استعمار الشعوب التي حصلت على استقلال شكلي او ناقص ، ثم عرض “الما في الرملة” و”راس الخيط”و”سهرة الأخبار” التي كانت انتقادا للإعلام الرسمي في المغرب …وأخيرا وطبعا ليس آخرا عرض “ابو نهب” الذي يُعرض منذ حواليسنة.. ومن خلال العنوان تظهرالإحالة إلى الفساد الذي ينخر الأمة وباختصار نهب في كل المجالات وبكل اشكاله .
لقاء ودفئ أحبة … امستردام. 
ولأنه فنان استثنائي كان لقاء أمس الأربعاء 26 فبراير على المسرح الدولي “ميرفارت” بالعاصمة الهولندية أمستردام لقاءً استثنائيا..فيحضرة فنان استثنائي . 
كان جمهور أمستردام ، وبدعوة من أصدقاء الفنان احمد السنوسي ” بزيز “على موعد مع لقاء فني استثنائي، رسم ملامح عالم اختفت داخلهالحدود ، و”المتاريس” والمنع .. والممنوع فكانت الكلمة الهادفة الحرة المعبرة جواز السفر إلى قلوب أثخنتها الإنتظارات والجراحات .
وشارك “بزيز” في عرضه الفني، الذي جاء ضمن جولته الأوربية التي بدأها من مدينة “ستراسبورغ” الفرنسية، فنانين ساخرين هولنديينمن أصل مغربي ، تضامنا منهم مع الفنان “الممنوع” من عرض أعماله في القنوات التلفزية العمومية.
حضور الجمهور الى أمستردام والى الفنان أحمد السنوسي كان من أجل المتعة والإستمتاع كما تبجيلا وانحناءً ، وتقديرا لعبقرية”مسرحية” خالصة.. وتضامنا من أجل فك العزلة عليه؛ والتي يعاني منها داخل المغرب خاصة من طرف قنوات القطب ” المتجمدالعمومي” لتقديم عروضه التي ما زالت تزعج الكثيرين .
الأمسية تواصلت لأكثر من ساعة من الوقت بصورة مميزة، وكان الجمهور الذي ملأ المسرح متفاعلا ، ومستمتعا بالعروض.
“أبُو نَـهَـب” .. العودة والعود أحمدي . 
“بزيز” هذا الفنان الساخر الذي عاش “يشكو” من منعه في المغرب طوال العقدين الأخيرين، اختار اليوم العودة وبقوة إلى المجال الفني منخلال هذا العرض الفني الجديد الذي اختار له عنوان ‘أبُو نَـهَـب’، والذي استهلّ به جولته الأوروبية انطلاقاً من مدينة ‘ستراسبورغ’الفرنسية، بدعم من طرف عدد من الجمعيات المغربية في أوروبا . 
هذا الفنان الممنوع من التواصل مع جمهوره بالمغرب ، حرص -ودائما-رغم الحظر والمنع ، بل وبإصرار وتحدٍّ على الاستمرار فيالحضور، سواء من خلال عروضه الخاصة في الجامعات أوالمنظمات الحقوقية ، أو من حضوره الفاعل والنضالي داخل المجتمعالمدني ــ غير الرسمي ــ في مجالات الحقوق والحريات وضمن مسار حركة ’20 فبراير’ .
وما حفل أمستردام سوى نوع من هذا التواصل . ذات الحفل الذي تميز بتفاعل كبير للجمهور ونهل اكبر من عالم “أبُو نَـهَـب” ومن الإرثالمتنوع لهذا الفنان “الإستثنائي” الذي لم تمنعه “قنوات” المنع وسنوات الحصار بل وعقود من الحصار أن يعانق هموم الشعوب عبر توظيفدقيق للغة رمزية جميلة في تحليل الواقع والوقائع بعيدا عن المحاكاة والخطابات المباشرة . متجاوِزا بذلك وعن اقتناع وتحدٍّ ما اعتُبرعندالبعض “خطوطا حمراء”.
البحث عن ” بزيز” الذي بداخلنا . 
خلاصة القول ، أن “بزيز” وبكل “شخصيات” عروضه تحس وكأنه يدفعنا إلى البحث عن ” بزيز” الذي بداخلنا ، والذي، بلا شك، لا يرتبطبكونه فنانا أو”مسرحيا”، ولكنه الوجدان والضمير وقوة الحياة والتحدي والمواجهة والرسوخ الذي يحفزنا دوما للإبداع ومواجهة الحياةوتحدي كل ما تحمله من قسوة وقمع وعذاب وعداوة وحمق وما شابه هذا وذاك . 
هكذا وظّف السنوسي في عرضه الجديد ” أبو نهب” كل مهاراته الفنية وحسه النقدي الساخر من أجل إنجاز عمل إبداعي غير مسبوق،يعكس عودة هذا الفنان بكامل نضجه الجمالي وتحكّمه في المشهد المسرحي بأبهى صوره.
اللعب بالكلمات ككرات نار…
ولا شك في أن عودة أحمد السنوسي بهذا الشكل القوي الناضج والمكتمل بكل أدواته ، سيحمل وبنفس القوة تساؤلات أخرى كثيرة لكلالذين عملوا طيلة عقود مضت على منعه ومحاصرته بشكل منهجي ، أولائك الذين ظنوا ان الزمن سينسي جمهوره العريض فيه ، ولكنذات الجمهور ظل متشبثا بفنه وسخريته على الدوام، واستمر في التضامن معه ضد كل اشكال المنع الذي طالته. وبعد ان تعرّضلامتحانات عسيرة شتى ، زاد إصراره وعزيمته على التحدي قوة ، رغم كل الترهيب والترغيب.
توهم البعض أن بعد المنع ستنمحي صورته من الأذهان وسيينطفئ بريقها من الذاكرة ، لكن العكس هو ما حصل..اتسعت قاعدةجمهورأحمد السنوسي ، فاحتضنه الناس “العاديون” و المناضلون المستقلون ومغاربة العالم والداخل و في كل الأقطار، في عملية تطويقلا مثيل لها للحصار والمنفى الداخلي، وهو الفنان الذي دافع بقوة عن منفيي الخارج وعن قضيتهم، مثل دفاعه الدائم عن قضايا الحقوقوالحريات والكرامة في وطنه المغرب.
اختراق جدار الصمت.. والمنع. 
فعلى “لوبي” المنع اليوم ان يعيد حساباته وان يحاول ان لا يتناسى أننا في زمن تخترق فيه التكنولوجيا بيوتنا وتمكننا من مشاهدة كل الممنوعو… وكل “الغيرالمرغوب” فيه.
فاليُرفع الحصار والمنع عن هذا الفنان الرائع الذي عاش يشكو من منعه طوال عقدين من الزمن والذي تصنفه الصحافة الدولية كأحد أهمصناع الكوميديا السياسية الساخرة . فالرجل الذي درس المسرح في المغرب والمسرح السياسي في فرنسا قدم عروضاً ساخرة ضدمختلف أشكال الفساد السياسي بالمغرب ، خلال فترة لم يكن الفنانون يجرؤون فيها حتى على فتح أفواههم عساك انتقاد أية جهة منالجهات في البلاد.
وحتى لا يبقى الحظر و المنع “قدرا” يغيب من لهم الحق في الكلام والتعبير نتمنى ان يتم اختراق جدار الصمت والحظر والمنع ونمنح”الفنانين” حقهم للتواصل مع جمهورهم .