أصمت ، تلتصق الكلمات بسقف الحلق ولا تخرج …
كيف اندس بهذا القفص القفل في رائحة الإحتفال ؟ 
وهذه الإحتفالات في ذاكرتي مجزئة كألبوم صور…
إحتفالات كأنها مقتطعة بتواريخ متباعدة ، أقلبها في رأسي احتفال وراء احتفال وأحاول إعادة ترتيبها بعناية لألمسها في الذاكرة ..
حين كنا صغارا كنا نطلب من جداتنا أن يحكين لنا قصصا كثيرة . وكنا حين لا تكون في خاطرهن أي قصة ، نطلب منهن قصصا مكررة. 
عندما كبرنا، كبرت معنا الحكايات وصرنا نروي قصص الأبطال والأساطير ، قصص الكبار، تاريخ البلدان وتجارب الشعوب … كل شعوب الأرض .. ونسينا قصص تاريخنا .. وهويتنا. 
ولا زالت حكايتنا كما الأمس .. لا زال أغلبنا ينسى أحيانا – أو يتجاهل – حكايات أبطال آخرين قريبون جدا منا .. اختاروا الصمود والموت “الصامت” فـى أماكن أخرى قريبة منا .. كما حكايـات مشتشفـى مدينتي إياه ….هناك .
مشتشفى يختصر قصّة وطـــــــــــــن …!
هنا .. كما هنالك وهناك كثر الحديث  في الآونة الأخيرة عن الإحتفالات بقدوم السنة الأمازيغية الجديدة ، سكب حبرغزير حول أماكنها ومواعيدها ، وسُودتْ صفحات بعض الصحف والمواقع الإجتماعية بذاك الحِبر ..
انقسم الناس جماعات و فرادى دون ان يحاولوا ان يجدوا خططا أو حلولا أخرى .. فمن المفارقات الغريبة أن بعض هذه الجمعيات لا يهمها أمر إن كانت جمعيات أخرى شبيهة تحتفل بنفس الحدث في نفس اليوم ..بل وفي نفس التوقيت !!!!  
فيحتار المرء إلى من يلجأ في “مساء واحد ” كثرت فيه الإحتفالات ومعها السهرات ، حتى بات الصمت المطبق أحيانا هو الخيار، ومعه التساؤل إلى أين أذهب ومع من احتفل ؟! 
احتفالات على غير عادتها .. جمعيات تتنافس على إقامتها .. تكرم بعضها بعض الفنانين الأمازيغ وأخرى تعقد لقاءات فكرية وتستضيف كتاب و مفكرين ،وأخرى اجتهدت و فكرت ان تخرج عن “المألوف” فأعلنت مداخيل سهراتها “عملا خيريا”..
وعلى نشرات الأخبار عبر”شاشاتنا” كما عبر مواقعنا الإلكترونية و كعادة كل “أسكاس” انتقاء لتغطيات متفرقة لذات الاحتفالات ولأخرى تنظمها جمعيات .. ومؤسسات .
ليالي لا تشبه  كل الليالي ، تأخدنا على بسيط أهازيجها لسويعات سعادة وفرح ، وأريج تناغم شداها الى الرقص و الألحان والانغام .. والغناء المباح والغير المباح  … نفترق في آخر الليل ضاربين موعدا آخر في احتفال اخر بالسنة الامازيغية القادمة .  
هي احتفالات -أو دعونا وللأمانة نقول – هي “سهرات” مشتتة هنا وهناك .. خارج اي تحضير علمي ممنهج او أي اشتغال استراتيجي او حتى مراجعة إستراتيجية شمولية لها ، حتى تترافق مثلا مع تنظيم حفل كبير يجمع الجميع و يخلد لميلاد السنة الأمازيغية كما هو معمول به في السنة الميلادية…او يخلَّد مثلا على مساحة زمنية أكبر، بكثير من الندوات والمعارض وبقليل من “الحفلات الموسيقيّة الصاخبة ..!! 
 
فنحن هنا وهناك  كما في أماكن أخرى لا نحتفل بالسنة الأمازيغية لاننا لا زلنا لم نرقى بعد الى مستوى الإحتفال .أو لنقل..لم نرقى بعد بالسنة الأمازيغية إلى الإحتفال .. ولن نرقى الى ذلك الا حين نغادر كل الممرات الضيقة إلى الأكثر اتساعا .  
نحن هنا و هناك كما في كل مكان ، نخلد الذكرى في ذكراها ولا… نحتفل.  
فاحتفالاتنا بهذا الشكل ووفق هذه الإجراءات ، تشبه الى حد بعيد أداة تفريغ تنتهي مهمتها بنهاية جدولها الزمني ..تجعل”القضية” بكل ثقلها وتاريخها وبكل تشعباتها وكل مكونات هويتنا الامازيغية مجرد “حصة” أخيرة على مقاعد وكراسي قاعات الاحتفال و تجعل كل الأسئلة الأخرى والكبيرة مجرد أجراس حائطية.. ليبقى” أسكاس أماينو” بالتالي بكل ما يحمله من رموز ودلالات وبكل ثقله التاريخي…سجين طابعه الاحتفالي فقط ، دون فتح أبواب أخرى لتمتد إليه أشياء أخرى أهم  .
فإن كان في السابق قد عرفت الاحتفالات برأس السنة الامازيغية طابعا تقليديا بعيدا عن كل مغزى اجتماعي أو تاريخي أو سياسي .فاليوم يجب أن يشهد حراكا آخر و صحوة وحركية تمس جوانب عدة من اهمها جانب الهوية وتكشف عن اهتمام وعناية أكبر بالتاريخ ، فالاعتراف الرسمي مثلا بهذا اليوم قد يفوق البعد التقليدي لهذا الحدث ليصبح حدثا تاريخيا لشعب برمته. 
 
الإحتفال ليس فقط أطباق الفواكه الجافة وأطباق ” ثيغواوين” أوأطباق الكسكس التقليدي المزين بالزيتون والخضر وقطع الدجاج الشهية ..او إحياء السهرات الموسيقية.. واجتماع الأصدقاء…والرفاق . وليس هو الغناء والرقص وما وراء هذا وذاك..
وإن كان الحدث يعتبر في جزء كبير منه موعدا احتفاليا يسوده الفرح والبهجة لدى أغلبية الأمازيغ .. في استرجاعهم روابط المحبة والتضامن المعهودة لديهم … 
كما أن الإحتفال ليس فقط الحديث عن ” الأمازيغية” او بها.. والذي أصبح “موضة” رأيناها تتكرر في السنوات الأخيرة مرارا وتكرارا ، تختلف “أماكنها”، ويبدع “ممتهنوها” في اختيار مواعيدها ، ربما رغبة منهم في التنويع والخروج من الروتين .
فـ :”الاستقلال” يحتفل برأس السنة الأمازيغية ويطالب بجعلها عطلة وطنية..
و شباط يعلنها يوم عطلة مدفوعة الأجر…
ووزير الشؤون الإسلامية ركب هو الآخر “موضة الموجة البرلمانية” واصبح يتحدث داخل قبة البرلمان بالأمازيغية…( جوابا على سؤال توجهت به  النائبة السوسية فاطمة تابعمرانت)  الخ…الخ…الخ.. 
  
ان ما يجري هو جرح دامي اصابنا في الوريد اراد اعداء الحركة الأمازيغية واعداء الإنسان الأمازيغي ان تتحول الشعوب الأمازيغية الى قطيع يقودها من استنزف حقوقها وخيراتها قرونًا عدة،   
فـ :”متى تنتهي كل هذي الفوازير..
والنشرات الرخيصة..
والمخبرين الغلاظ الوجوه”..
 
هل نحن هنا كما هناك نحتفل حقا بالسنة الأمازيغية أم نخلد ذكراها فقط؟ 
في زمن لا حق لنا فيه حتى في ان نسمي أبنائنا بالأسماء التي نريد ..
في وقت لا نملك فيه إذاعة تنطق بلساننا غير التي ولدت قبل سنوات .. بعد مخاض طويل وقيل عنها أنها ناطقة بالامازيغية ولكنها ليست ملكا للامازيغين.. 
كيف لنا ان نحتفل بأمازيغية لا زلنا نقدم تضحيات من أجلها ؟
كيف لنا ان نحتفل بيوم ليس لنا فيه حق يوم عطلة ؟
  
حتى نرقى إلى مستوى الاحتفال وجب علينا أولا فرض الاعتراف الرسمي بالسنة الامازيغية في العمق وبالتالي الاعتراف بالبعد الأمازيغي لبلادنا كبعد أصلي وأصيل وتصحيح التاريخ تأكيدا على أن الامازيغية تمتد جذورها في أعماق تاريخ المغرب .. و لا يرتبط فقط باثني أو ثلاثة أو خمسة عشر قرنا ، كما هو سائد في الخطاب الرسمي و المقررات الدراسية…وأشياء أخرى أجدى الآن بالسرية…
أن نُعلم أطفالنا التاريخ الحقيقي الذي لا تُعلمه لهم “مدارسنا” الحكومية… 
 
والاَّ… أجيبوني ، إلى أي مدى استطاعت هذه الإحتفالات بالشكل السائد اليوم تبصير العالم بأهمية هذا الحراك الحيوي ؟ 
وهل استطاعت فعلاً أن تقتل الإنقسامات التي تنخر واقعنا و تشخِّص العلل الذي تعيشه ونحياه كل يوم وتكشف مكامن الخلل ؟
  
أقول: بكل أسف مع احترامي لكل الإحتفالات واصحابها والمشرفين عليها  ــ إن معظم هذه الإحتفالات هتافية ضلت طريقها إلى الموضوعية، إحتفالات بغرض “الاستهلاك الإعلامي والدعائي” ونفعها قليل جدا مقارنة مع حجم الحدث المحتفى به . 
احتفالات تهتم بالقشور والشكل الخارجي للحدث وتغفل أساس الفكرة.. فقصرت بالتالي في النظر الى الأشياء الصحيحة ، فحامت وهامت حول الهامش وأبت أن تُركز و تغوص في جوهر و جوف الحدث .
أتذكر أن في منطقة “القبايل”، لم تنتظر المدارس والجامعات هناك قرارا رسميا أو ” اقتراحا شباطياً” لإغلاق أبوابها في هذا اليوم .. هي هناك احتفلت بطريقتها الخاصة … في يوم خصصت لها فيه يوم عطلة.. وإن كان غير مدفوع الأجر ..!!! 
فطعم الإحتفال بعد الإنتصار يحمل طعما آخر…لذيذ.
لنبحث إذن عن السبل التي تجعلنا نحتفل بعد الإنتصار وليس قبله .. بعد ان نصير كما تاريخ إسمنا يحكيه .. وكما الدلالة اللغوية لإسمنا تعنيه:
أمازيغ = حر.. 
فليس في الحرية حل وسط ، على قول مولاي موحند..
 
فترنموا من لغة الأحزان..
فروحي أمازيغية…   
أسْكْوَاسْ امَايْنُو ذَامْبَارشْ ذامْسْعُودْ …