ما انفكت التداعيات السياسية والأمنية لأحداث العنف الأخيرة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس ومدينة فيرفيي البلجيكية تلقي بظلالها على الواقع الأوروبي، مما جعل الكثير من العواصم تستبق الزمن لحماية أمنها الداخلي من أحداث وهجمات إرهابية مشابهة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى الدولة البلجيكية التي تحركت على جميع المستويات لاحتواء ظاهرة التطرف التي تنتعش بين أوساط بعض الشباب المسلم. وتجمع مختلف الآراء السياسية والفكرية على أنه ينبغي التمييز بين الدين الإسلام الذي ينبني على التسامح والاحترام والتعاون وبين بعض التيارات المذهبية العنيفة التي توظف الإسلام في معركتها الأيديولوجية من أجل القوة والسلطة والمال.
وقد شغلت ظاهرة التطرف حيزا كبيرا في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والالكترونية والمرئية، حيث يستدعى خبراء من مختلف المجالات والثقافات والتوجهات للمساهمة في مناقشة هذه الظاهرة والخروج ببدائل ناجعة للحيلولة دون انتشارها وترسخها في المجتمع. ولم يكن المكون الإسلامي غائبا أو مغيبا من المعادلة الإعلامية والسياسية البلجيكية الراهنة، لا سيما وأن السلطات البلجيكية ترى في الشريحة المسلمة طرفا جوهريا لحل هذه الظاهرة بكيفية تشاركية تساهم فيها كل الأطراف بقسط معين. ويلاحظ أن المكون الإسلامي يهيمن عليه التشتت وغياب المرجعية الموحدة وطغيان الصراع حول المصالح الذاتية، مما يحرم المسلمين من تمثيلية متوازية وقوية في مثل هذه التحديات.
ولعل ذلك ما جعل الجهات الرسمية البلجيكية (وزارات، برلمان) تبحث عن مؤسسات إسلامية جادة للتعامل معها في مثل هذا الظرف الاستثنائي، وقد تم التركيز في الآونة الأخيرة على الأكاديمية الإسلامية للتنمية والبحث (IDARA) للعب دور أساسي في وضع مقاربة عقلانية لتفكيك ظاهرة التطرف وتجديد الإسلام في بلجيكا وأوروبا، أمام الغياب شبه التام لمبادرات أكاديمية تشتغل على هذه الظاهرة لدى المؤسسات الإسلامية العاملة في السياق البلجيكي. وقد استدعي في هذا الصدد الدكتور إبراهيم ليتوس المدير العام للأكاديمية الإسلامية إلى المناظرة الكبرى التي نظمتها القناة الرسمية ف ت م قصد تقديم وجهة نظر الأكاديمية حول آليات تفكيك ظاهرة التطرف، عبر اعتماد مقاربة علمية تأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد التربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد شاركت في هذه المناظرة شخصيات بلجيكية وازنة، كوزير العدل البلجيكي كون خاينس، وعامل مدينة أونفيرس، والناطق الرسمي باسم الشرطة الفيديرالية، وعامل مدينة فيلفورد، وغيرهم.
وبعد انتهاء هذه المناظرة اقترح وزير العدل البلجيكي التعاون مع الأكاديمية الإسلامية للتنمية والبحث قصد إرساء استراتيجية أكاديمية وتربوية لتفكيك ظاهرة التطرف عبر تكوين إسلامي حداثي يراعي سياق المسلمين البلجيكيين، وينصب على مختلف الأطر المسلمة كالأئمة والمرشدين الدينيين والوعاظ والمعلمين.
وتجدر الإشارة إلى أن الأكاديمية الإسلامية للتنمية والبحث تأسست بشكل قانوني عام 2010 في مدينة خانت البلجيكية، وتركز على البحث العلمي المنصب على مختلف قضايا الإسلام والمسلمين في بلجيكا وأوروبا، عبر مؤتمرات وورشات علمية وإعلامية وبحوث أكاديمية واستشارات دينية، تحت إشراف فريق عمل من الباحثين والأساتذة، كإبراهيم ليتوس والتجاني بولعوالي وهشام البشيري وأمينة فان دستين ومحمد بنعجيبة وابراهيم التوبادي، وغيرهم.

التجاني بولعوالي