ولدت ميلينا ميلاني سنة 1917 في مدينه سافويا سماها ابوها لينينا على اسم لينين، وفي الثلاثينات من القرن العشرين ، مع نجاح الثورة البلشفية تغير اسمها من لينينا إلى ميلينا خوفا من بطش الفاشيين، لها كثيرا من الانتاجات الأدبية من بينها روايتها “فتاه اسمها جوليو”. التي أثارت جدلا واسعا بين أوساط المثقفين تحول إلى جدل قضائي بما تحويه من جرأة في معالحة الواقع يزعزع ثوابته وقناعاته الدينية والأخلاقية تحول إلى فيلم يمثل ايطاليا في مهرجان الفيلم العالمي العشرين في برلين عام 1970.
وديوانها الشعري “المرض” الذي كتبته وهي تقاوم نفس الموت الأخير بعد عملية جراحية أجرتها على القلب والعمود الفقري ونجت بأعجوبة لتستثمر معاناتها في ديوان يحمل آلامها ومعاناتها مع المرض. حازت على عدة جوائز من بينها: الجائزه الذهبية التي منحتها إياها بلدية ميلانو سنة 1982 على زخمها الأدبي، ومنحها رئيس الجمهوريه عام 1988 لقب الشرف العقيد الكبير، وحازت على جائزة الأجراس من بلدية كورتينا سنة 1993، والاوسكار المحلية التي منحتها إياها بلدية البيسولا بالاضافة إلى جائزة أثينا سنة 2000 ، وهي الان تقاوم الخطوات الأخيرة من حياتها لاستكمال أعمالها الخيرية، حيث انها اهدت كل ما تملكه من ثروات مادية وفنية- لوحات لكبار الفانين الاوربيين والعالميين- لمؤسسات الدولة-البلدية- من اجل الشعب
وفي حوار خاص معها تقول:
< حدثينا عن ميلينا ميلاني؟
> أنا كاتبة ايطالية مترجم لها إلى عدة لغات، فوق هذا، أكتب الأغاني والحكم ومقالات في الصحف والمجلات على حد سواء، بالإضافة إلى الشعر والرسم، كما أنني أشتغل على السيراميك. أنا ناشطة ثقافية، أكتب في النقد الفني المعاصر، أدرت وأدير مجموعة أدباء، أنظم المعارض وأهتم بالفنانين الشباب، أشجع المواهب الجديدة…الخ، أشياء كثيرة لشخص واحد؟ بالتأكيد أن الوقت ضيق باستمرار. بمعنى آخر، هؤلاء الذين أعرف وأقدر يؤمنون بي وأومن بتغيير الأنساق إلى أفضل. بناء علي ذلك، أصارع ضد اللامبالاة وأريد مساعدة الذين، حسب اعتقادي، يستحقون أن يكونوا قادرين على المضي قدما .
الكون الأدبي والفني ليسا سهلين، يجب الصراع لنكون جزء منهما، وإذا كان أحد جدير بالدخول إليهما- العالم الفني والأدبي- فإنني أعمل المستطاع والمستحيل دائما لنجاحه .
< الانجازات الخيرية التي تقاومين لاستكمالها من خلال “مؤسسة المتحف الفني المعاصر باسم ميلينا ميلاني في ذكرى كارلو كارداتسا” هل ما تقومين به هو دور المثقف الريادي الملتزم بقضايا مجتمعه؟
> أسست جمعيتي في يونيو 2003 وتوجد عمليا في مدينة صافونا في ليكوريا، بمركزالمدينة حيث ولدت، ولو استطعت زريها في قصر كافوتي التاريخي. ليس من السهل بمكان إدراك ما أرغبه دائما. عمداء رؤساء البلديات والمحافظات يقولون إنهم سيقومون بالتجهيز لكنهم بعد إهمالهم اقتراحاتي ، قررت أن أتماسك من أجل إدراك وتحقيق الهدف . الآن، أخيرا أقول بأنني أستطيع التنفس، لكن المسؤولية ما تزال كبيرة. أتمنى أن يلج الجيل الجديد عالم الفن لفهمه وتفهمه، لأن هذا الفن هو أداة لتعبير الشعوب في حضارة ما . ودور المثقف هو أول كل شيء جهد للدفع بالآخرين إلى الأمام .
الناس العاميين يجهلون كواليس الثقافة ويعيشون أبدا في السطح . يجب علينا العمل على إفهامهم دون خجل.
< كيف ترين الواقع الثقافي الايطالي؟
> أنا بطبيعتي متفائلة، وأبحث لايجاد المحيط الذي توجد فيه الرداءة. لكن، بلدي -ايطاليا- في حرب، مثل كل بلدان الكرة الأرضية، على أهمية الثقافة والاختلاف، هناك جمود في مواجهة الثقافة نفسها، الربح المادي هو هدف كثير من المواطنين . مؤسف حقا أن نراهم عميان، إنهم يريدون إحراق القيم المعدودة ويرضون بامتلاك نقود بدل تحديث عقولهم.
< هل ترين نفسك أنك وصلت قمة الهرم بالزخم الأدبي الذي أنتجتيه؟
> لا، لا نستطيع القول بأنني وصلت قمة الهرم، لأن النجاح لا يكفي ولا الشهرة تكفي لمحافظة أحدهم على “قمة الهرم” ومن ثمة لا أحس بأنني سأبقى عالية من الكل، لأن ما يهمني هو الحوار مع الأشخاص، مع أصدفائي المثقفين، مع الأدباء ورواد الفن. الذي قرأ أو يقرأ كتبي، إلى الذي وجد كتابا لي، حبذا لو صدفة، فوق طاولة ( علما أنهم نشروا منذ سنوات مضت)، أكتب دائما، أبحث لمعرفة ما إن كنت حية، أين أتواجد، إن كنت أجيب بالاميل عن طلبيات الاصدقاء العاطفية، هذا الاصرار يخيب أملي، لأنني من النوع الذي لا يقوم بمبادرة المكاتبة، لدي قليل من الوقت للاستعداد، وسآخذ أي كتاب لتنظيمه، لمراجعته، الوقت قد يطير، وفي مرات، هذه الأشياء تؤلم جسديا، الذي لا أستطيع فعله لا استطيع حتى التفكير فيه. كل شيء يمكنه أن يظهر وكأنه غريب في مواجهة تصريحاتي السابقة المعتمدة على الحوار، لكنني أقول بصراحة بأنني أحافظ دائما على مكان واحد لي، لهذا يتوجب علي شحن طاقاتي.
هذا المكان هو فوق كل شيء من أجل المطالعة، لا أملك أسعد من هذه اللحظات التي لا تعود والتي أقدمها هدية لصفحات ديوان شعر كتبته لهذا العصر أو لعصور أخر. قرأت وأقرأ الأبيات التي تبهرني وأجد دائما الذين يستطيعون مساعدتي في الأوقات العصيدة .
< هل للثقافة دور في تسيير أمور السياسة وفي توعية المواطنين؟
> أظن أن الثقافة تمثل القوة الحقيقية لأي بلد، دون ثقافة لن توجد تقاليد، هي- أي الثقافة- التي تحافظ على العادات وتطورها، ودونها لن تكون للشعب قيمة ولا تاريخ، بدونها يمكنه أن يمحى في أقرب أجل.
< المرض، الحياة والموت : تيمات حاضرة بقوة في ديوانك المرض، ماذا تعني هذه التيمات عند ميلينا ميلاني؟
> لديهم قيمة مطلقة، لا يمكن الاستغناء عليهم، سواء بالنسبة إلي كما من أجل قرائي . عبر “المرض” الذي هو جزء مهم من الحياة الانسانية أتواصل مع الفزع إلى التخمين بأن الموت شيء، كما أنني لا أرضى بهذه الموت، لأن الكلام نفسه يرعبني ، حقيقة، رغم الألم الجسدي فإنني أستمر في الحياة.
< من موقعك كمديرة لمنشوات “الزيتونة” ما هي الكلمة التي تودين قولها للقارئ العربي؟
> أقول له: أحب التواصل بين الشعوب، لا فرق بينهم. بناء عليه، أنا مرعوبة من الحروب، من الغلاء. يجب على الثقافة أن توحد لا أن تقسم، أنا سعيدة وفخورة بإدارة منشورات”الزيتونة” هذا الاسم”الزيتونة” يعني شجرة السلام، وإذا نجح الشعراء الايطاليين، المنشورة أعمالهم في سلسلة الزيتونة، إذا نجحوا في التعريف بهم في العالم العربي، طبعا بعد ترجمة أعمالهم إلى العربية، سيحملون مشاعر أبدية تخص الانسانية.
الحب هو الكون الذي يشمل كل واحد منا، فوق هذا، اختلاف العادات وأشكال الحياة . وذلك رغم روحانية هذه الأشياء، التي لا تعاب في ظهورها، عدا هذا فـ”الزيتونة” أخرجت أبيات الشاعر العربي صلاح محاميد التي خلفت أصداء كبيرة، وهي مكتوبة بالايطالية . نحن معه على نفس الخط، نحن نفهمه جيدا، وأتمنى أن تتكثف مشاركتنا مع الوقت.
< شيء لم تقوليه وتريدين قوله؟
> حتى الآن أنا منسجمة، مع أنني أملك في ذهني المستقبل الذي سأهيئه إلى القارئ العربي، و إلى الذين سيقرؤون هذه المقابلة أقول لهم إنني أحس أنني قريبة من ثقافتهم التي أرغب في التعمق فيها مليا. أقول إنه يجب على الشباب أن يستعدوا لمصيرهم بشجاعة وإخلاص وصرامة. كل من على الأرض له رسالة يتركها، لا يجب تبذير جمالية موهبة الحياة
أجرى الحوار زينب سعيد