عن دار ميميسيس ايتيروطوبيي باوديني-ميلانوMIMESIS ETEROTOPIE N.177، صدر للباحثة الايطالية PAOLA GANDOLFI، استاذة محاضرة بجامعة البندقية تدرس مادة:”انطروبولوجيا العالم العربي الاسلامي” وجامعة بركامو تدرس: “السياسة الأخلاقية للبلدان العربية الاسلامية المغاربية”، صدر كتابها الجديد الذي ارتأت باولا عنونته بـ” ثورات في الواجهة: من الحركات الفنية العربية إلى بيداغوجية ثورية” الصادر 2013، مقسم إلى سبعة فصول وهي على التوالي: “أي ثورات في الواجهة”، “سرد التغيير لتشكيل الإطارات المرجعية”، “الحدث الفني ليس خطا تاريخيا”، “تونس: حركات فنية وحركات ثورية”فـ ” سؤال الجمال و أسئلة أخرى: بين الجمال والدين وأشكال المقاومة”و ” في اتجاه بيداغوجية ثورية” ثم ” شهادات”.
تبدأ الباحثة كتابها عن الثورات المغاربية وتحديدا الثورة التونسية باعتبارها النقطة التي أفاضت الكأس، الطريق الذي عبد المسيرلحمى الثورات العربية، بتحديد مفهوم الثورة، قائلة إن الكتابة عما حدث يشكل غموضا وجزءا من حدث بدأ منذ الأزل وحتما سيستمر، لذا من الصعوبة بمكان تسميته “ثورة” لأنها لم تبدأ وحملت في أحشائها بذور نهايتها، بل هي دينامية بطيئة، لذا فقد اختارت الباحثة تسميتها بـ” أحداث ثورية” لتحديد الصيرورة الديناميكية للبلدان التي عرفت تصدعا عميقا في بنية سلطتها التقليدية وسقوط النظام، وركزت في بحثها على جانبين هما مساحة الانتاج الفني في السنوات الفارطة، باعتباره شكلا فنيا به يمكن سرد واكتساب أهم ديناميكيات التغيير، فمن خلال الفن تتحقق حركات المقامة والتغيير. اما الجانب الثاني فهو بروز الاسلاموية على رأس البلدان العربية الاسلامية. فقد تفككت النظريات التي تحاول إرجاء المقاومة العربية إلى أي تغيير ديمقراطي. فالمجتمعات العربية انتفضت لطلب الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وهي مخالفة للثورات التي بصمت التاريخ كالثورة الفرنسبة والروسية والصينية و الكوبية والايرانية حيث أن تغيير النظام السياسي يصاحبه إعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وترى الباحثة أن هذه الانتفاضة سبقتها أشكال فنية والرغبة في التغيير وأعطت الوعي للناشئة بمأساة الحياة من خلال أشكال الفن والأدب التي وسمت المرحلة قبل الثورة، أشكال حملت بصمة اليومي وتفاصيله وقدمتها بجرأة ووضوح، فالفن يحاكي الواقع، كما ترى الباحثة، بل يماهيه، ويقدمه بألوان ونغمات وكلمات، ليكون شكلا من المقامة وشكلا من أشكال الرفض، بل وعنصرا أساسيا لتحيقيق الثورة، فالثورة لم تأت من فراغ، بل من عمل جمعوي ومجتمع مدني كان يعمل في صمت، يكد ويجتهد ليظهر الصورة الحية للجمهور الذي هو الشعب. أتت من لغة حية كانت في مستوى كتابة الحقيقة وتقديمها، لغة إنتاج فني لشريحة من الشباب المتمدرس والمتخرج من الجامعات والمعاهد، والمنضوي تحت لواء العمل الجمعوي والمجتمع المدني. وترى الباحثة أنه يجب تقديم الاقتصاد والسياسة في حين أن الحرية تقاس في الامكانيات المتاحة للممارسة السياسية وفي توسيع القاعدة الشعبية، فدون حرية مدنية لا يمكن وجود رؤساء مستقلين ولا جمعيات حقوقية. فالحركات الثورية العربية أعربت عن وجود هذه القاعدة الشعبية التي خاضت هذه العمليات الثورية إلا أن الثورة لم تنتهي بعد، لذا فهذه القاعدة لا ضمان لتوسعها. ولتحقيق أي تغيير يجب في الأول تصوره، فالأشخاص يرون دائما وجودهم من خلال حياة العوالم الممكنة المقدمة من خلال التصوارت المختلفة، حتى الارساليات الاعلامية، التي تحول حول العالم، التصور الذهني كممارسة اجتماعية تمر من خلال الصورة والمصور ثم الشيء المصور. فجغرافية الصورة الذهنية المتوغلة في تونس هي التي اجترحت أفكار الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة المتمركزة في الوسط والمزروعة في أشكال فنية وأدبية، فالحركات الفنية ساهمت في تكوين الحركات الثورة. وخصوبة هذا الإنتاج الفني نمى وترعرع منذ وقت طويل، بفضل ديناميكية أوديركرود وأشكال التواصل الحديثة، التي تضمن توصله إلى جمهوره بشكل سريع ومباشر، وهو خطاب ممتلئ حتى الثمالة بالرفض وتعرية عيوب المجتمع وتفاصيل أمراضه المشكل لنسيجه من رقابة ومحسوبية وفساد وزبونية وعنف و…… وهذه الحركات الفنية هي التي شكلت الإطارات المرجعية الهامة للحركات الثورية، فالثورة التونسية، كما ترى الكاتبة، هي ثورة شعبية قبل أن تكون ثورة شريحة الانتلجنسيا. والحدث الثوري التونسي لم تكن له أصول بالعاصمة ولا بالمدن الكبرى، بل بالمناطق المعزولة و الهامشية وقد تولد وانتشر كشكل من الاحتجاج لا من العنف. فقوة الفن وفن القوة لهما حدود قابلة للتغيير فإذا كان النظام يستخدم الفن لترسيخ ديكتاتوريته من خلال فناني البلاط فإن قوة الفن التي تمتهنه الطليعة الحرة من الشباب الخارج من سلطة المساومة قادرة على فك شبكة النظام وتسليط الضوء على الحقيقة كما هي، قادر على اختراق الهامش وتوصيل صوته إلى مراكز القرار، هي كذلك قوة الفن، قوة الحقيقة، كما تحدثت الباحثة عن جمال السياسة وسياسة الجمال، فإذا كان جمال السياسة يتمظهر في قسمها الحساس بتسليطها الضوء على كل ماهو غير مرئي واستنطاقها لكل جماد، فإن سياسة الجمال هي حين يدخل الفن إلى الساحة الحساسة للسياسة ليولد فكرة ثورة قادرة على تغيير حياة الفرد والمجتمع، لما له من وقع على الحقيقة، لذا على الفن أن يكون خلقا لا أصل. ومستقبل البلد، كما تقول الباحثة، يلعب حول امكانية المجتمع زراعة الوعي النقدي لفتح الحدود لتعلم ثقافة التغيير، واقتراح سياسة ثقافية بديلة، بإقامة معارض وأرشيفات وفتح مجالات للإبداع الفني..وأما عن بروز الاسلاموية على رأس الدول العربية والاسلامية، فقد أشارت باولا إلى أنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتغيير موازين القوى، أصبحت أمريكا قائدة العالم والقوة الوحيدة المسيطرة، ذات القطب الوحيد، وشكلت النظام الدولي الجديد، وبعد أحداث 11 سبتمر وخطاب بوش، طفى سؤال الاسلام إلى السطح، فارتبط بالارهاب، وكان للمهاجر العربي القاطن ببلاد المهجر نصيب من ضريبة الخوف أداها كاملة. وارتبط بظهور مفاهيم جديدة ما بعد الاسلاموية، اسلام فوبيا أو الخوف من الاسلام، ما بعد الايديولوجية ….
وتخلص الباحثة كتابها بتقديم شهادات لأنطروبولوجيين ومخرجين سينمائيين تونسيين كان لافلامهم وقع كبير على الساحة التونسية لم استشرفوه من مستقبل ولم تنبؤوا به، ولجرأتهم في تقديم الواقع المعاش كما هو، وانتقادهم له، فكان نصيب أحدهم أن يلغى من العرض السينمائي لم يحمله من دلالات وما يقدمه من أخرى، ونصيب الآخر أن يكرم في أرض أخرى ونصيب الاثنان أن يدخلا التاريخ من أبوابه الواسعة. هي قراءة عميقة لانطروبولوجيا الثورة التونسية قدمت تفاصيلها الباحثة وعاشت بعض فصولها بتنقلها إلى مكان الحادث واستشرافها للبعض الآخر، باستنطاقها لفنانيي الشارع المداومون لحفض مسار الثورة، وتدوين ما حدث بتأن حتى لا يشوه المارقون بعض حقائقه. ويبقى السؤال مفتوحا لتحديد ما جرى، ثورة كان أم ربيعا أم…..كان لابد أن يكون وقد كان والأساس ما هو آت، نتمنى اللا يخيب آمال من راحوا ومن ناضلوا ومن……
زينب سعيد