لا شك أن القمة الأمريكية المغربية والبيان الصادر عنها قد أصابت شظاياها الجارة الشرقية، حيث ذهبت بعض المنابر الإعلامية بالجزائر إلى اعتبار أن السياسة المغربية نجحت في “عدوانها السافر على الجزائر”، واستطاعت أن تلغي “زيارة وزير الخارجية الأمريكي للجزائر”. وزعمت جريدة “الفجر” أن المغرب بعد نجاحه في “الأزمة الدبلوماسية والحملة الإعلامية ها هو الملك يحط الرحال بالبيت الأبيض، طمعا في دعم أمريكي له، خاصة في القضية الصحراوية، التي كثر الحديث بشأنها في الآونة الأخيرة”.

وتساءلت صحيفة جزائرية عن “الزاوية التي يمكن منها قراءة تصريحات البيت الأبيض التي صدرت قبيل استقبال العاهل المغربي مساء الجمعة، التي قالت إن خطة المغرب في الصحراء الغربية للحكم الذاتي هي خطة واقعية وجدية وذات مصداقية”، “هل هي لتبديد تخوفات المغرب التي حملت ملكه على القيام بهذه الزيارة، مع أن أمريكا تعرف أن المغرب هو من يعرقل كل المساعي الأممية أمام أي حل لقضية الصحراء؟”.

أما المنابر المقربة من جبهة البوليساريو الانفصالية، فقد ذهبت إلى أن الأسبوع الفائت كان “قاتما” على دبلوماسية البوليساريو، من تجميد “بنما” اعترافها بالبوليساريو، مرورا بالغياب عن القمة الأفرو-عربية بالكويت، ووصولا إلى إشادة البيت الأبيض بالمقترح المغربي لحل ملف الصحراء، والمتمثل في الحكم الذاتي.

فما هي إذن الرسائل التي تقدمها القمة الأمريكية المغربية والبيان المشترك الصادر عنها؟ وكيف استطاع المغرب أن يحقق هذا “النصر” حسب وصف المتابعين لملف الصحراء؟ وما الذي استجد في الموقف الأمريكي من ملف الصحراء، وهل حصلت تحولات على الصعيد الإقليمي والدولي حملت البيت الأبيض علي تغيير موقفه السابق من ملف الصحراء؟ هل يمثل لقاء القمة ما بين العاهل المغربي والرئيس الأمريكي أوباما والبيان المشترك المتمخض عنها مدخلا جديدا للعلاقات الأمريكية المغربية؟.

ما يلاحظ من خلال القمة الأمريكية المغربية، والبيان المشترك، أنها تستبطن رسائل سياسية متكاملة يمكن استنتاجها من تحليل مضامين البيان عبر مدخل التحولات السياسية الجارية في المغرب، وطريقة تدبيره لملف الصحراء، وعلاقة المغرب بمحيطه المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء، ومناخ عدم الثقة الذي تنظر به أمريكا لمستقبل الجزائر .

وضوح أمريكي مبني على تجميع معلومات جديدة عن قضية الصحراء

في تحليل للبيان المشترك، الصادر عن لقاء قمة بين الرئيس أوباما والملك محمد السادس، لابد من قراءته بشكل متأن في سياقه الجيو-استراتيجي، فالولايات المتحدة تعلن عن موقف صريح تساند فيه المغرب، وتدعم فيه مقترح الحكم الذاتي، وهو موقف مبني على تحليل الإدارة الأمريكية ومتابعتها لما يجري خلال الخمس سنوات الأخيرة في المغرب ومحيطه الإقليمي.

ولذلك فإن الأمريكيين، بحسب الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي “باتت لديهم معلومات كافية حول ما يجري على الأرض في الصحراء”، ناهيك على أن قراءة البيان تظهر أن الأمريكيين “يتوفرون على معلومات كافية حول ارتباط سكان الأقاليم الجنوبية بالوحدة الوطنية، مقابل معلومات مقنعة بالحجج عن هوية انفصاليي الداخل وارتباطهم بالجزائر، وهي معلومات كافية أيضا عن الوضعية الصعبة داخل المخيمات وعن مغامرات جنرالات الجزائر التي تدفع بالمنطقة نحو عدم الاستقرار”.

ويرى أستاذ العلوم السياسية، في حديث مع هسبريس، أن “الموقف الداعم لمقترح الحكم ووصفه بالواقعي والجدي مبني على معلومات أمريكية موثقة عن الإعداد الكبيرة من سكان المخيمات الذين دفعتهم الجزائر إلى الاندماج في تنظيمات إرهابية كجماعة مختار بلمختار التي أسستها المخابرات الجزائرية، وجعلت مواردها البشرية الأساسية من الجزائريين ومن مخيمات تندوف، وحاولت توظيفها في سنة 2009 لضرب استقرار الحدود الجنوبية الشرقية للمغرب”.

وما يُلاحظ، من خلال تحليل اسليمي، أن أمريكا بنت موقفها على المجهودات التي بذلها المغرب خلال السنتين الأخيرتين في منطقة الساحل والصحراء، وعلى رؤيته الأمنية للمنطقة مقابل أخطاء الجزائر في التقييم الأمني لتطورات منطقة الساحل والصحراء، هذا بالإضافة إلى أن هناك “معلومات أمريكية مرتبطة بمجهودات الآلية الوطنية لحقوق الإنسان خلال السنتين الأخيرتين، ودور المجالس الجهوية لحقوق الإنسان في الصحراء، فالإدارة الأمريكية انتبهت إلى مغالطات “كينيدي”، وباتت تقارن بين ما يجري في المغرب من تطور مقارنة بالوضع الساكن والمقلق في الجزائر والمخيمات”.

“موقف أمريكا الواضح في البيان المشترك يظهر ضمنيا أن الإدارة الأمريكية ليس لها ثقة في ادعاءات الجزائر والمنظمات الممولة من طرفها، كما يظهر أن الأمريكيين غير مطمئنين إلى مستقبل الأوضاع في الجزائر” يضيف المحلل السياسي .

دبلوماسية الرشوة فشلت وتكلفتها خطيرة على الجزائر

فما هو وقع البيان المشترك في القمة الأمريكية المغربية، وكذا إشادة الأمريكيين بالحكم الذاتي على البوليساريو وصنيعتها الجزائر؟

يجيب اسليمي أن النظام العسكري الجزائري، بقيادة عبد العزيز بوتفليقة المريض، فشل في استعمال “دبلوماسية الرشوة” التي تسميها الصحافة الجزائرية “دبلوماسية الشيك”، فتكلفة دعم البوليساريو دوليا جد مرتفعة تتجاوز 300 مليار دولار في العشرين سنة الأخيرة دفعتها الجزائر ضمن “دبلوماسية الرشوة”، وباتت موضوع انتقاد بين الثمانية عشر جنرال الذين يحكمون الجزائريين أنفسهم، وموضوع نقاش يتحول تدريجيا إلى عمومي ينتشر بين الفئات الاجتماعية التي تحتج على التهميش في الجزائر.

فالرئيس بوتفليقة، يضيف مدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أعفى في السنوات الأخيرة العديد من الدول الأفريقية من ديونها، ورغم ذلك لم يستطع تحويل موقف البعض منها في قضية الصحراء، كما أنه مول العديد من المنظمات الحقوقية ومكاتب الدراسات والتواصل للتشويش على المغرب ورغم ذلك لم يستطع التأثير على الإدارة الأمريكية. أضف إلى ذلك أنه حكم الجزائر أربعة عشر سنة، ولم يستقبل من طرف البيت الأبيض، فأمريكا استقبلت منذ الستينيات إلى اليوم رئيسين للجزائر فقط، هما أحمد بنبلة في الستينات والشاذلي بن جديد في الثمانينيات، ولن يتمكن “بوتفليقة” من زيارة أمريكا اليوم نظرا لمرضه وعدم قدرته على التحرك فجميع اختياراته واختيارات رفيقه “لعمامرة” باتت تظهر بأنها عشوائية، وبات من المتوقع أن تنتج ” دبلوماسية الرشوة ” نتائج خطيرة على مستقبل “بوتفليقة” وجناحه الرئاسي وجناح المخابرات بقيادة “توفيق مدين” بدوره.

أما جبهة البوليساريو، فهي أيضا بات مشلولة بعد مرض “بوتفليقة” وهرم باقي مكونات قادة الجيش تتوقع سنوات سوداء مع الجزائر.

وأشار اسليمي، في معرض حديثه مع هسبريس، إلى معلومة جديدة حصل عليها مؤخرا أثناء زيارته لفرنسا مفادها أن “قيادات في البوليساريو بدأت تدفع ضدا على قيادة “عبدالعزيز” وزوجته، الشباب في أوروبا إلى الانفتاح على المنظمات المدنية المغربية والحوار معها حول مقترح الحكم الذاتي”، مفسرا المعلومة بأن “الخوف بات يسيطر على بعض قيادات وساكنة المخيمات، ويبدو أن الانفصاليين بدورهم سيبدؤون في الدوران في الفراغ أمام هذه المستجدات، خاصة أنهم يلاحظون في السنوات الأخيرة درجة الإقبال على العودة من المخيمات إلى المغرب، فالأعداد كبيرة اليوم تنتظر في نواديبو بموريتانيا، وهو معطى جديد يجب الانتباه إليه وتحليله وقياس درجة أثره النفسي على انفصاليي الداخل”.

مضامين البيان المشترك مبنية على دور جديد للمغرب في المحيط الإقليمي

هل يمثل لقاء القمة والبيان المشترك المتمخض عنها مدخلا جديدا للعلاقات الأمريكية المغربية؟ للإجابة عن هذا السؤال يستعين اسليمي بتحليله للجغرافية السياسية للمنطقة المغاربية والساحل والصحراء، على عكس القراءة التي بدأت تقدمها وزارة الخارجية المغربية لنتائج الزيارة، حيث يقول: “إن المتغير الاقتصادي ليس هو المحدد في العلاقات الأمريكية المغربية المقبلة، ولكن حالة الاستقرار والنموذج المغربي القابل للنقل إلى باقي الدول العربية والدور الأمني الذي يمكن أن يلعبه المغرب في مواجهة التطرف”.

ويخلص المحلل السياسي إلى أن “التشخيص الأمريكي يلتقي مع تشخيص باقي دول الحلف الأطلسي حول الدور الذي يلعبه المغرب أمنيا كبلد مستقر يمثل المناطق الترابية الأمامية التي تلعب دور الرابط بين أوروبا وأمريكا من جهة ودول الساحل والصحراء من جهة ثانية، فالمناطق الترابية الثانية من الضفة الأخرى من إفريقيا، التي هي مصر، باتت متوترة غير مستقرة وتتقارب فيها القيادة العسكرية المصرية أكثر مع روسيا على شاكلة تحالف الخمسينيات من القرن الماضي، ومن هنا فإن ضمان استقرار المغرب بالنسبة للأمريكيين والأوربيين أولية أساسية تتم عبر مدخل مساعدته في حل نزاع الصحراء عبر مقترح الحكم الذاتي”.