الجالية 24/ هولندا: محمد أشهبون

يحتفل عدد كبير من دول العالم، والعديد من المنظمات، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية باليوم العالمى للعدالة الاجتماعية سنويا فى20 من فبراير، حيث تصدر هذه المنظمات بيانات تتحدث فيها عن أهمية العدالة الاجتماعية، كما يناقشون الخطط لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال السعى للقضاء على (الفقر، التمييز، البطالة.
ظهر مصطلح العدالة الاجتماعية للمرة الأولى فى شهر دجنبر سنة 1784، بتصريح للملك الفرنسى لويس 16 عندما قال:
*لن يجرؤ الإقطاعيون على إظهار أنفسهم بعد الآن. هناك حقوق مقدسة للبشرية، ومن بينها العدالة الاجتماعية*.
ومن ثم انتقل المصطلح إلى بقية الدول الأوروبية مع ظهور الثورة الصناعية فى أوروبا نهاية القرن 18، حيث انتقل المجتمع الأوروبى من النظام الإقطاعى(١) إلى النظام الرأسمالى(٢).
وأصبح العمال يعانون نتيجة هذا النظام، فألف الكاهن الإيطالى لويجى تاباريلى (Luigi Taparelli) أزيليو كتاب أسماه (العدالة الاجتماعية) سنة 1840.
وفى أوائل القرن العشرين انتقل مصطلح العدالة الاجتماعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصدرت الحكومة الأمريكية العديد من القوانين لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مثل تحديد ساعات العمل في 8 ساعات، كما أقرت حق انضمام العمال لنقابات العمال.
وظهرت بعد الحرب العالمية الأولى منظمة العمل الدولية التى أقرت فى ديباجة دستورها أنه *لا يمكن تحقيق السلام إلا إذا كان قائماً على العدالة الاجتماعية*
وبمناسبة الذكرى 20 لتولي جلالة الملك محمد السادس نصره الله تعالى وأيده، الحكم دعا جلالته إلى مراجعة النموذج التنموي في المملكة، وتشكيل لجنة خاصة للنموذج التنموي يتم تنصيبها خلال .
إن مطلب العدالة الإجتماعية بالمغرب ليس بالمستحيل ولا يمكن بأي حال أن ننكر ما حققته الأوراش الاجتماعية والمشاريع التنموية التي عمل المغرب على تكريسها منذ فجر الاستقلال، لكننا وفي المقابل لا يمكن أن نقر بأن المجهودات المبذولة في هذا الصدد كانت كافية أو أن نتائجها في مستوى تطلع الجميع.
وأكد جلالة الملك، محمد السادس، نصره الله تعالى وأيده، في الخطاب السامي الذي ألقاه أمام أعضاء مجلس البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة 1 من السنة التشريعية 2 من الولاية التشريعية 10، أكتوبر 2017،(٣) أنه *إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية*
ومن أجل تمكين الاقتصاد المغربي من تحقيق إقلاع حقيقي ، تم إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي عهد إليها بإجراء تشخيص دقيق وموضوعي للوضعية الحالية بالبلاد، وتحديد جوانب القوة التي يجب معالجتها، بما يمكن من رسم ملامح نموذج تنموي جديد غير مسبوق، يضمن للمواطنين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الأساسية، على غرار حقوقهم المدنية والسياسية.
وتتجلى خصوصية هذه اللجنة في القيام بمهمة ثلاثية، تتمثل في :
* إعادة التقويم ضمن منهجية استباقية واستشرافية من أجل تمكين البلاد من الاتجاه نحو المستقبل بكل ثقة،
* مع الاعتماد على مختلف المكاسب التي حققها الاقتصاد المغربي خلال العشرين سنة الماضية،
* والأخذ بعين الاعتبار التوجهات الرئيسية للإصلاحات التي تم تنفيذها في مختلف القطاعات، لاسيما التعليم والصحة والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي.
و نظمت اللجنة عدة جلسات استماع وورشات عمل وجلسات استماع مواطنة في مختلف مدن المملكة، فضلا عن انشاء نظام طموح للإطلاع على انتظارات المواطنين وانشغالاتهم الرئيسية في مجال التنمية، وكذا اقتراحاتهم من أجل مغرب أفضل، على كافة المستويات.
وفي مجال العدالة الاجتماعية والمجالية، فقد كشفت جلسات الاستماع على أهمية مواضيع _الصحة والتربية والحماية الاجتماعية_ لدى المغاربة، مع انتشار الشعور بعدم المساواة المجالية، إضافة إلى رفض منطق المساعدة.
من جهة أخرى، فإن الأزمة التي سببها وباء كوفيد -19 ، والتي شلت الاقتصاد الوطني والدولي، أخرت الموعد النهائي لتقديم تقرير النموذج التنموي الجديد، لاسيما أن هذا الوباء أثر على قطاعات معينة توجد في صلب أولويات المواطنين، خاصة الأمن الصحي والسيادة الاقتصادية والتصنيع والتحول الإيكولوجي(٤)
لقد تحدث جلالة الملك، محمد السادس في أولى خطبه بعد تسلمه العرش في 1999 (٥) خلفا لوالده الراحل جلالة الملك، الحسن الثاني، عن البطالة والفقر والفوارق الاجتماعية، على أنها من المعضلات الرئيسية في المغرب،
*وسنولي عنايتنا، كذلك، مشكلة الفقر الذي يعانيه بعض أفراد شعبنا، وسنعمل بمعونة الله وتوفيقه على التخفيف من حدته وثقله وفي هذا الصدد كان والدي، رحمه الله، قد شرفني بقبول اقتراح إنشاء مؤسسة اختار لها من بين الأسماء اسم مؤسسة محمد الخامس للتضامن تهتم بشؤون الفقراء والمحتاجين والمعوقين، عاهدنا أنفسنا على تفعيل دورها وإحاطتها بكامل الرعاية والدعم*.
ويجسد كل هذا في عهد جلالته تطلعات وآمال فئات واسعة من المغاربة بالتغلب على شتى المصاعب في مملكة المغرب الشريفة من أجل عدالة اجتماعية .
__________________
الهوامش:
(١) نظام اقتصادى يقوم على تقسيم المجتمع إلى طبقتين: طبقة مالكي الأراضى ولا تعمل، وأخرى تعمل ولا تملك الأرض.
(٢) نظام يقوم على طبقتين أصحاب رؤوس المال، و طبقة العمال.
(٣) خطاب جلالة الملك، محمد السادس، نصره الله تعالى وأيده، موجه إلى البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية 10 اكتوبر 2017.
(٤) مقال: النموذج التنموي الجديد أو التطلع إلى مغرب أفضل، سامية بوفوس، 05 دجنبر 2020
(٥) الخطاب الملكي السامي يوليوز 1999, بمناسبة تولي جلالته الحكم.