الجالية24/ذ.رضوان بن شيكار

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

ضيف حلقة الاسبوع الشاعر الزبير خياط

(1) كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟

الزبير خياط شاعر مغربي عضو اتحاد كتاب المغرب ورئيس جمعية أصدقاء الشعر بزايو ، وأستاذ لمادة اللغة العربية بالثانوي التأهيلي .

(2) ماذا تقرأ الآن وماهو افضل كتاب قرأته ؟

في هذا الحجر أستمتع بقراءة مختارات من الشعر العربي عبر عصوره من الجاهلية الى اليوم دون اتفاق أو ترتيب . كلما اشتقت إلى قصيدة أستدعيها .وكلما خطر ببالي شاعر أستضيفه معه. استضفت امرأ القيس والنابغة ولبيد وكثيّر ونزار ودرويش والماغوط والمتنبي والأعشى وجرير وتأبط شرا وغيرهم دون ترتيب أو قصد .
لا أستطيع تحديد أفضل كتاب قرأته كل الكتب لها أفضال علي ، التي أعجبتني والتي أثرت في مساري والتي عارضتها والتي دفعت بشغفي للقراءة إلى تخوم بعيدة . كل ما يمكنني قوله هو أنني صاحبت الكتب منذ سنوات الابتدائي ولكنني صرت مدمنا عليها في الثانية إعدادي عندما حصلت على بطاقة الانخراط في الخزانة البلدية بوجدة كي أقرأ فيها ما أشاء أو أدفع آنذاك خمسة وعشرين سنتيما ثمن إعارة كتاب لمدة أسبوعين. وشغفي دائما مرتبط بالشعر والرواية والقصة والتاريخ.

(3) متى بدأت الكتابة ولماذا تكتب؟

الكتابات الأولى بسيطة تعود للمرحلة الثانوية ، ولكنها كانت الخطوة التي قادتني في رحلة الألف ميل. من اللحظات المبكرة التي أشعرتني بانني أكتب تلك التي كانت بثانوية عمر بن عبد العزيز بوجدة حين كنت أعرض على أستاذي ابن التاج قصيدة فيوقف الدرس كي يسمح لي بقراءتها أمام زملائي ، وأنا تلميذ كنت أحس أنها البداية . أما لماذا أكتب ؟ فالدافع خفي لا استطيع تحديده فعندما تأتيني الحالة الشعرية لا أملك نفسي عن الاندماج فيها ، وعندما أنهي القصيدة أحس بفرح غامر . أعتقد أن الذي يكتب قصدا أو بدافع معلوم تكون الكتابة عنده مهنة لا حالة ، وفي المهنة يغيب الإبداع والخلق ، وتغيب المفاجأة والدهشة . القصد والمعرفة اليقينية عدوان للإبداع.

(4) ماذا تمثل مدينة الناظور بالنسبة لك؟

الناظور كانت عندي مدينة عبور بين الريف حيث كنت أشتغل وبين وجدة حيث العائلة، مدينة للتبضع والإقامة القصيرة في مقهى وكنت قد كتبت عن واقع علاقتي بها في بداية التسعينيات قصيدة سميتها “تدمر على جديلة غجرية” غير أن علاقتي ستتوطد لاحقا بمثقفيها وستتحول بضاعتي منها إلى الثقافة. وكنت ضمن كوكبة المثقفين التي أسست أول فرع لاتحاد كتاب المغرب بها سنة 1999 كنا ستة أدباء : القمري وشريق وأقوضاض وأزراغيدوامجاهد وأنا وكان هذا العدد الحاصل على العضوية يخول له تأسيس فرع بالمدينة ، وحين انضاف كتاب آخرون للفرع بالناظور حولت انخراطي نحو فرع وجدة لأسباب عائلية تربطني بوجدة أكثر، ولا تزال علاقتي الثقافية وطيدة بأصدقائي في فرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور ، وبمثقفي الناظور الآخرين الذين تستضيفهم جمعية أصدقاء الشعر بزايو أو أحل ضيفا عليهم في أنشطتهم المختلفة .

(5) هل انت راض على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟

الرضا التام على المنجز الإبداعي يقتل روح الإبداع لأننا حتى لو كتبنا الجميل فإننا نتوق إلى الأجمل، الإبداع الشعري حركية وخلق مستمران ، والمبدع يحاول ألا يكرر نفسه ، ويعيش على مجدهالسابق
وقد حدث هذا كثيرا مع الشعراء العرب لذين انطلقوا بقوة ثم خبا إبداعهم بعد فترة وأعطيك مثلا بالشاعر عبد الوهاب البياتي الذي كان شعره ملء السمع والبصر في الخمسينيات والستينيات وكان تأثيره كبيرا في الشعراء العرب ولكنه فقد انتشاره وتأثيره بعدذلك وقد وجه إليه هذا السؤال الأديب منير العكش في كتابه الحواري الحارق أسئلة الشعر قائلا له : يقال إنك تعيش على ماضيك الإبداعي. وبالعكس نجد مثلا الشاعر محمود درويش الذي استمر عطاؤه وتجدده مع الزمن . المبدع حين يعتقد أنه وصل إلى القمة فإنه يكون في المنحدر.
الآن في هذا الحجر أعكف على تنقيح ديواني الرابع المقبل “دانتيل” ، وعلى كتابة مؤلف نقدي حول القصيدة العربية الحديثة.

(6) متى ستحرق اوراقك الابداعية وتعتزل الكتابة بشكل نهائي؟

اعتزال الكتابة ليس تقاعدا مهنيا محسوما بالعمر وسنوات العمل ، فهو رهين بظروف غير معلومة وقد لايكون مطلقا فمثلا قال مالك بن الريب يائيته التي هي من عيون المراثي في الشعر العربي وهو يسلم الروح أي أن القصيدة كانت آخر ما خرج من حلقه . أنا لا أتمنى أن أصاب بما يمنعني من الكتابة كالجفاف العاطفي والقصور الفكري والرؤيا العقيمة أو العارض الصحي لا قدر الله . الذي حصل معي هو التوقف فقد توقفت عن الكتابة عدة مرات تراوحت بين خمس سنوات و ثلاث سنوات ولكنني كنت أعود أكثر ألقا،فالتوقف علامة صحية يجعلك تقرأ أكثر ، وترى تجربتك بعين أصفى.
(7) ماهو العمل الذي تمنيت ان تكون كاتبه ولك طقوس خاصة للكتابة؟
أعمال أدبية كثيرة أعجبتني وأثرت في إبداعي إما تقليدا في بداياتي أو استلهاما وحوارا نديا بعد ذلك، وكثيرا ما أغبط بعض المبدعين على أعمالهم وأقول كيف فاتني ذلك المعنى أو ذلك المدخل أو المخرج أو البناء ولكنني وفيّ لخَلْقي الخاص ، لأن أي عمل إبداعي مهما سما فهو قطعة من صاحبه وليس قطعة مني ، جينات الشعر قد تخلق الشبيه ولكنها لا تخلق التوأم . مهما عبر شاعر فإنه لا يعبر عنك، قد تتقاطع معه في أمور ولكنك لن تكونه .لذلك أغبط المبدعين على أعمالهم الجميلة ولكنني أقدِّر أنها براءة اختراعهم التي لا يجوز لي إبداعيا أن أحوزها أو أقلدها.
وعن طقس الكتابة فليس لي طقس خاص أستنفر فيه من حولي وما حولي . الذي يصح أن أقوله هو الشعور بالحالة التي تلهمني وتقودني إلى أول خيط أنسجه في ثوب القصيدة وبعد ذلك كل الأمكنة والأجواء فضاء لي . ليست لي مجامر وبخور أستدعي بها شيطاني الإبداعي ، المقهى أو الشارع أو السهو مع محدثي أو التبضع أو الأكل …كلها فضاأت وحالات مستباحة في غزوة القصيدة . فقط أمر مزاجي لا أعرف له تفسيرا هو أنني لا أنقح على الورق وإنما في الذهن وقد تبقى القصيدة في الذهن كاملة قبل نقلها ، وإذا اكتمل مقطع ما في الذهن أنقله على ورقة بيضاء من حجم إ4 مطوية مرتين بالطول أولا ثم بالعرض إنه مزاج أستريح له ولا أعرف له تفسيرا.

(8) ماهو تقييمك للوضع الثقافي الحالي بالناظور؟وما هو دور المثقف او المبدع في التغيير؟

الناظور التي أعرف منذ الثمانينيات كانت مرتبطة بالحركة الثقافية المغربية من خلال مثقفين فرضوا نفسهم وطنيا ، غير أن عدد مثقفيها كان قليلا بخلاف الواقع الثقافي اليوم الذي كثر فيه المثقفون ، كما تعددت مجالات الإبداع والجمعيات والمهرجانات واللقاأت المختلفة ، والبنية الثقافية تعززت بالمركب الثقافي ، فقبل ذلك كانت الأنشطة في الغالب تقام بقاعة الغرفة الفلاحية وقاعة الشبيبة والرياضة . ونتمنى أن تتعزز المدينة بمسرح كبير وقاعات اخرى للعروض الثقافية . هذه الطفرة في الأسماء وفي الإمكانيات طبعا تعطي الجيد والرديء، وهذا حال الثقافة في كل الدنيا . ولكن الذي يلاحظ ءوليس في الناظور وحدهاء أن حجم الاهتمام بالثقافة من خلال كم الحضور وكيفه ، ومواكبة مبدعي المنطقة ليس مشجعا ، وأعتقد أن اختلاف التصورات أحيانا بدل أن يؤدي إلى إغناء التجارب ومناقشتها يتحول إلى الإعراض عنها ومقاطعتها .

المبدع الحقيقي بطبعه ثوري ومجدد ، يُلهم ويقود ، ولكن من الشطط تحميله وزر التخلف في ظل الحصار الذي يُحكم حوله من القوى الاستبدادية التي لا تريده أن يكون إلا واجهة تتزين بها ، وأن تكون معارضته تمثيلا مصطنعا . لذلك فالصوت الثقافي الحر ممنوع من التداول ليس بالقمع وبمنع النشر فهذا أسلوب قديم . المنع من التداول الحر لصوت المثقف المُغَيِّر يقوم اليوم على الاحتواء والإغراء ، وتضبيع المجتمع الذي ينفذ التغيير ، المثقف سُلب منه تأثيره وتواصله ، وأحيل أحيانا على تقاعد بورجوازي مريح يتأمل ولا يصرخ لأنه يعرف أن صرخته مجرد صدى يرتد نحوه. ومع ذلك فتأثير المثقف ليس دائما رهينا باللحظة فمن مكر الحياة أن تجد الأفكارُالتثويرية بيئتها في غير عصرها . لذلك أطلب من المثقف أن يظل ممانعا ومنتقدا وأن يختار الانتماء للمستقبل الذي سيرفعه لمصاف العظماء وإلا سيطرح كأي شيء تافه إن خان رسالته .

(9) ماذا تعني ان تعيش عزلة اجبارية وربما حرية اقل بسبب الحجر الصحي ؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟

المبدعون في الغالب يستأنسون بالعزلة ويحبذونها لأنها ملهمتهم التي تمنحهم صفاء اللحظة وعمق الرؤيا . العزلة من أجل القراءة أو الكتابة أو إراحة الذهن من وعثاء الحياة وأوصابها . لكن العزلة الإبداعية يميزها الاختيار والحرية ، بينما هذه العزلة إكراه وإجبار . عزلة مشوشة مقيتة مغلفة بالخوف والقلق والمأساة . عزلة وضعت الإنسانية على المحك ، وهددت أجمل الاشياء في حياتنا . المبدع لا يمكن أن يحبذ عزلة يسمع فيها صرخات الناس من المرض والموت والجوع والتشرد.

(10) شخصية من الماضي تود لقاءها ولماذا ؟

عن شخصيات الماضي وثقافيا أود لو أعيش تجربة أبي العلاء المعري في رسالة غفران حقيقية ألتقي بأجدادي الشعراء وأسمع منهم ، أن يسعفني اللقاء بامرئ القيس في مأساته والمتنبي في أناه وأبي فراس في سجنه وجبران في رؤاه. أجدادي الإبداعيون كُثْر وأنا مدين لهم بحياتي الشعرية ، وأغبط أبا العلاء المعري الذي فكر في السبق إلى فكرة لقاء أجداده .

(11) ماذا كنت ستغير في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟

سؤال وجودي ربما هو الذي حفز معتقد تناسخ الأرواح حتى تعودالأرواح لهذا العالم بصيغة أخرى ومشروع حياة آخر . طبعا هناك أشياء جميلة في الحياة أستمتع بها وأشياء سيئة تمنيت لو لم تقع . غير أنني أحب حياتي كما هي بكل تجاربها .ولكنني في ظل ما نعيشه اليوم من كابوس أتمنى لو يعود الزمن سنة واحدة للوراء لأحذر العالم مما يقع . قد يبدو هذا سخيفا ولكنه خيال شاعر يضنيه ما تعانيه الإنسانية في حاضرها .

(12) اجمل واسوء ذكرى في حياتك؟

عن أجمل وأسوأ ما مررت به في حياتي سأحصره في الثقافي فأسعد ذكرى كانت يوم توصلي ببرقية من اتحاد كتاب المغرب في دجنبر 1994 تخبرني أنني نلت جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في الشعر وأسوأ خبر سمعته كان في الفاتح من يناير 2019 على صوت هاتفي ملتاع من الشاعرة أمينة المريني تخبرني أن أخانا الشاعر عبد السلام بوحجر أصبح في ذمة الله .

(13) كلمة اخيرة او شئ تود الحديث عنه؟

سعيد بهذه الدردشة الثقافية معك صديقي الشاعر رضوان بنشيكر، وأتمنى لصفحتك الفايسبوكية مزيدا من التوفيق في التنوير الثقافي.