الجالية24/ ذ.محمد أشهبون من هولندا

يحتل العمل الجمعوي موقعا أساسيا ضمن مساحة اهتمام شريحة عريضة. ويعتبر رافدا رئيسيا من روافد العمل الجاد، سواء من حيث تشكيل إطارات العمل في كل أبعادها ومجالا للتأطير بطبيعة الأدوار الموكولة الى كل فرد في معركة التغير و التقدم .

وفي تعريف للعمل الجمعوي يتم تحديد المفاهيم والأخذ عادة بمظهرين اثنين:

1: إما أن يتعلق الأمر بظواهر ثابتة في الزمان و المكان و بالتالي تكون قابلة لان تشخص كما هي.

2: و إما أن يتعلق الأمر بظواهر تتسم بعدم ثباتها و بحركيتها المتجددة باستمرار، و بالإيقاع السريع الذي يطرأ عليها بين الفينة والأخرى مما يجعل مسألة إعطاء تعريف نهائي و محدد شيء متعذرا إن لم نقل مستحيلا من الناحية المنهجية على الأقل.

إن العمل الجمعوي يندرج ضمن المظهر الثاني، مما يعني أن هذا العمل في عمقه يحيل على وقائع مجردة لا يمكن تمثيلها نظريا إلا بالاستناد إلى وقائع تطبيقية و عملية.

ولا يمكن أن نتحدث عن العمل الجمعوي كمعطى جاهز و مجرد بل نكون مضطرين أن نتحدث عنه كتجربة ملموسة، أي تتغير من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر.

نصل من خلال ما سبق أن خير تعريف للعمل الجمعوي و قراءة من خلال _مختلف ممارساته العملية المحققة في الواقع_، يكون بالحديث عن تجارب و ليس عن ثوابت.

من هذا المنظور فإن، العمل الجمعوي لا ينفلت من أن يكون ممارسة اجتماعية للثقافي و تكيفا ثقافيا للاجتماعي.

أي انه في جوهره ظاهرة اجتماعية ثقافية تتقاطع فيه مكونات الشخصية الممارسة له من حيث حمولتها المعرفية و قوتها الوجدانية الدافعة ومنحدرات انتمائها لاختيار هذا العمل دون الآخر.

وهذا التقاطع بين المعرفة و الوجدان و الانتماء يجعل من الممارسة الجمعوية مدخلا للفعل في الواقع وليس التغير على مستوى أشكال التفكير فيه و طريقة تعريف المعرفة المكتسبة لبناء النموذج المرغوب فيه وتأطير الأداة البشرية المزمع تأهيلها لتحقيق ذلك البناء.

وعليه فإن العمل الجمعوي ليس في النهاية سوى منتوج تنظيمي و ثقافي هادف من خلال ممارسات مجسدة إلى اكتساب المنخرط فيه وعيا محددا إزاء القضايا المطروحة بإلحاح على السياق الاجتماعي و التاريخي الذي يمارس فيه ذلك العمل.

ففي العمل الجمعوي نجد الممارسة هي التي تحدد المفهوم وليس العكس. فالعمل الجمعوي هو حقل متميز من حقول الممارسة الثقافية بشقيها النظري و الإبداعي حقل للممارسة التربوية و مجال خصب تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي و يتم فيه الدفع بالشباب نحو تحرير طاقاتهم و إمكانياتهم الإبداعية، و خلق أفراد يحكمون ضمائرهم الحية في الإنتاج و الإبداع و النقد و يعملون من مختلف مواقعهم على بسط القيم الإنسانية في اتجاه تفكير عقلاني.

لقد واكب العمل الجمعوي في بداياته الأولى متطلبات المواجهة التي فرضتها المرحلة لتكريس واقع النهب الاقتصادي و الاستغلالي لخيرات البلاد و تطبقا لمقولة أساسية في المخطط الاستعماري من قبل ” انه يجب إخضاع النفوس قبل إخضاع الأبدان”.

و هي مقولة تتضح أهدافها و مراميها، لهذه الأسباب راهن العمل الوطني على ضرورة حضوره في العديد من الإطارات الجمعوية بأشكال مختلفة من قبل أندية ثقافية رياضية مسرح الخ… و هذه الإطارات شكلت إحدى القنوات الرئيسية لدعم الفعل الوطني في مواجهة المستعمر.

وهذا المنطلق شكل العمل الجمعوي على مستوى الممارسة الفعلية، خصوصا لدى الجمعيات الجادة استمرارا للأداء النضالي الوطني من اجل التحرر الحقيقي، ونشر الفكر التنموي البديل الذي ينادي به جلالة الملك محمد السادس نصره الله تعالى في كل خطاباته وتكريسه في النماذج التنموية ودستور 2011 الذي أفرد عدة فصول للمجتمع المدني وللعمل الجمعوي .

حقيقة أن الشجرة لا تخفي الغابة وان الفاعل الطموح والجاد والفعل المتميز يحدث عن نفسه .. أعمالنا تحدث عنا.. اذا لا داعي لأن نبرز أعمالا ونتحدث عن انجازات تبقى محدودة ولا ترقى إلى العمل الجمعوي الفعلي وفي الواقع.

تطالعنا يوميا مقالات ونتوصل بحكايات ينذى لها الجبين عن تصرفات لا تمث الى العمل الجمعوي التطوعي بصلة.

اشتغلنا في الميدان عدة عقود ونعترف اننا ما زلنا في بداية الطريق.. لأننا تربينا على التطوع والرغبة الملحة في التعاون والتضامن مع حالات اجتماعية هي منا وعلينا .. والينا .

واصبح اناس لا علاقة لهم بالعمل الجمعوي يدعون انهم يدافعون عن مغاربة العالم.. وفي الحقيقة لا علاقة لهم بالعمل الجمعوي لا من قريب ولا من بعيد .. ونبقى متطوعون وعلى الدرب نسير ..

________
المصادر: مقالات بقلمي ..
وعن موقع الحوار المتمدن.