اندلعت ثورة الياسمين في يوم 17 ديسمبر عام 2010 حينما قام محمد البوعزيزي، البائع المتجول، بإضرام النار في جسده أمام مقر ولاية مدينة سيدي بوزيد، احتِجاجا على استغلال الشرطة للنفوذ. كان شابا يافعا يكسب قوت يومه ببيع الخضار والفواكه. سبّب الأمر اندلاع عدة مُظاهرات تمت تسميتها ب “ثورة الياسمين التونسية” ضدّ نِظام زين العابدين بن علي، الطُغيانيّ والفاسد، الذي حكم البلاد منذ 1987. طلب الشعب دمقرطة النظام السياسي واستنكار الأَزمة الاقتصادية الخانقة التي كانت تعرفها البلاد (مع ارتفاع البِطالة والتَضَخُّم النَقْدي) ولذلك انهار النظام بسرعة، حيث أنه في يوم 14 يناير 2011 هَرَب بن علي وأسرته إلى السعودية.

لا أحد كان يعتقد أن أمرا من هذا القبيل سيتجاوز حدود البلد وسيُسبَّب أَحْداثا متسلسلة تستطيع أن تَقلِبَ خريطة الشرق الأوسط  وتُغيرَ بعُمْقٍ صِيَغة البلاد التي كانت تعاني من حالة الركود الدائمة. ما زالت مَسألة الشرق الأوسط وأسباب الربيع العربي ونتائجه تحتل اليوم الموقع المركزي في الجِدال الدولي من وجهة نظر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يعود أصل تسمية “الربيع العربي” إلى حركة التحرير والديمقراطية التي اندلعت في تشيكوسلوفاكيا سنة 1968 (والتي أطلق عليها “ربيع براغ”).

أظهر الربيع العربي كيف أن شعوب الشرق الأوسط لا تتقاسم فقط اللغة والدين لكنها تتقاسم أيضا شعور الخَيْبة المشترك اتجاه أنظمتها السياسية والسوسيو اقتصادية واتجاه وجودها.  فقد بدأت سفرا كان عليه أن يقودَ الشعوب العربية إلى الحرية، المُساوة في الحقوق، المشاركة السياسية والعَدالة الاقتصادية إلا أنه، في الحقيقة، لم يُحَقِّق الأهداف المنشودة.

يذهب البعض إلى أنَّ الربيع العربي لم يكن ظاهِرة متجانسة، بالفعل، إنه يختلف عن الثورات التاريخية مثل الثورة الروسية، لأنْ البلدان العربية لا تشكل وحدة متراصة، مُحصنة و مٌمأسس: بالرغم من أنه تم التعامل مع الشرق الأوسط كحقيقة واحدة إلا أن خصوصيات المجتمع والمؤسسات المحلية تختلف من بلد إلى بلد، مع فقط بعض الميزات المشتركة التي تتقاسمها هذه البلدان.  ومن الخطأ اعتبار أنَّ نتائج هذه الحركات الثورية ستكون هي نفسها في كل البلدان العربية، لأنه من الصعب أن تعكس الديناميكيات الخاصة التي وقعت في كل دولة على حدة.

قد يمكن التأكيد على أن طبيعة هذه الحركات الثورية تمت صياغتها من اللجنة بدوافع دولية قوية من أجل ديمقراطية مثالية من جهة والثورة على العوامل المشتركة التي تتقاسمها كل البلدان من جهة ثانية، مثل الحكومات المركزية والاستبدادية والصعوبات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.

فكرة الديمقراطية في العالم العربي لا تختلف كثيرا عن نظيرتها الغربية، لأنها مؤسسة على مبادئ نعتبرها أساسية في أي نظام ديمقراطي: الحرية، والحقوق المدنية والسياسية، والعَدالة، والمساواة، وحكومة شرعية، يتم اختيارها من الشعب، وفصل السلط والتعددية السياسية، وتحسين الظروف الاقتصادية، والاستقرار والأمن الاجتماعيان. مع التذكير، كما تمت الإشارة سابقا، أن كل بلد عربي يختلف عن غيره، وهناك دافع مشترك آخر للديمقراطية قد تأصل من طرف عنصر مشترك بين مختلف الدول العربية. خلق استياء متزايدا ومستمرا لأنظمة السلطات التي كانت ضد فكرة الديمقراطية المثالية، الموصوفة أعلاه: بلد مركزي، دون تعددية سياسية ولا شرعية مع وجود عدة حواجز تحول دون تحقيق المشاركة السياسية، والقمع الاجتماعي والفساد السائدان.

يتمظهر التوتر بين الطموحات الديمقراطية التي لم يتم الالتزام بها وهذه الأنظمة الاستبدادية بشكل واضح من خلال تحليل وضعية بعض البلدان الرئيسية التي اندلع فيها الربيع العربي. مثل تونس ومصر واليمن وليبيا، كانت أنظمة الحكم تبدو فيها جمهورية لكنها كانت في الحقيقة جمهوريات ملكية لأن السلطة، التي كانت في يد رؤسائها كابن علي ومحمد حسنى مبارك ومعمر القذافي، كانت كليانية وشمولية.
هناك عاملان اساسيان ساعدا على اشعال فتيل الربيع العربي وانتشاره السريع في باقي بلدان العالم العربي، عاملان يتجاوزان الطموحات الديمقراطية في هذه البلدان هما: الصعوبات الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية.

الوضعية الاقتصادية في هذه البلاد وهي عامل مهم لفهم أصل الربيع العربي. على الرغم من موقع هذه البلاد المهم في التجارة الدولية وتوفر الكثير من الموارد فإن وضعيتها الاقتصادية كانت مخيّبة جدا للآمال، لانتشار: الفساد والتوزيع غير المتكافئ للثروة والبِطالة المرتفعة، كانت كلها أسبابا تدعو للقلق والاستياء بين الناس. على الرغم من الوعود الكاذبة بتحسين ظروف الحياة، وضمانات الإصلاح وتحرير ونمو اقتصادي شامل، فإن معظم السكان كانوا يعيشون على عتية الفقر. وقد ساهمت الأَزمة الاقتصادية العالمية في تردي أوضاع الشعوب التي تكبدت نتائج الكساد الاقتصادي لبلدان كانت تربطها بها أواصر قوية لتصدير المنتجات الزراعية والصناعية. مما ترتب عنه تردي مستوى الحياة المعيشية بين معظم الشعوب العربية واندلاع الحركات الاجتماعية. حتي وإن لم تكن الأَزمة الاقتصادية سببا مباشرا في الربيع العربي، فقد ساهمت بشكل أو بآخر في نشوبه.

وفي الختام، فقد جلبت موجة الربيع العربي معها الإطاحة ببعض الأنظمة العربية، لكنها لم تعطي انطلاقة لعملية ديمقراطية حقيقية، بالعكس تماما، فقد ولدت عملية تحول مرتبكة وغير مستقرة يمكنها أن تسبب حروبا أهلية من الصعب حلها، كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا.
مقابل التوقعات الوردية للعديد من المثقفين والسياسيين الغربيين بشأن التحول الديمقراطي التدريجي للشرق الأوسط، تمكّنا على مر السنوات من ملاحظة انفتاح الكثير من البلدان التي عرفت الربيع العربي على حقبة تاريخية أكثر دراماتيكية.

لـ Daniela Franceschi ترجمة Ilaria Da Col

 

رابط المقال الأصلي

http://www.storiain.net/storia/la-primavera-araba-in-egitto/