الجالية السورية تحتل المرتبة الثالثة في لائحة الجاليات غير الأوروبية ببروكسل بعد المغاربة والأتراك وأمام جالية الكونغو المستعمرة البلجيكية السابقة. المعلومات أوردها معهد بروكسل للإحصاء والتحليل في تقرير حول ساكنة بروكسل نهاية 2019. ورغم ان معظم أفراد الجالية السورية هم من اللاجئين الهاربين من نير الحرب فإن عددا كبيراً منهم بدأ يفكر جديّاً في الاستقرار بصفة نهائية ببلجيكا لأسباب عديدة منها الغموض الذي يسود المنطقة والذي لا تبدو بوادر انجلائه قريباً ومنها أن معظم اللاجئين قد اندمجوا في النسيج الاجتماعي البلجيكي واستثمروا فيه سواء الاستثمار بالمال حيث انتشر عدد كبير من المحلات الشرقية ببعض أحياء بروكسل وغيرها، أو الاستثمار غير المباشر المتمثل في تعلم إحدى اللغتين الرسمتين أو متابعة تكوين في مجال معين أو استكمال تكوين سابق للإستجابة لمتطلبات سوق الشغل ببلجيكا، أو من خلال الزواج بشريك بلجيكي. وصرح لي رئيس منظمة شباب السلام ببروكسل أسعد الظاهر الذياب أبو مازن أن الجالية السورية يعود تاريخ تواجدها ببلجيكا إلى أكثر من ثلاثين سنة وهناك عائلات سورية مختلطة مع المغاربة والبلجيكيين ومندمجة في المجتمع. بالنسبة للصعوبات التي يواجهها السوريون الوافدون على بلجيكا حديثاً لخصها السيد أبو مازن في خمس نقط: 1 — صعوبة بالنسبة لكبار السن الذين تجاوزت اعمارهم الخمسين في تعلم اللغة. 2– انخراط او اندماج السوريين بالمجتمع البلجيكي امر طبيعي ولكن تبقى اللغة حاجزاً كبيرا أمام استكمال هذا الاندماج ولكن معظم الشباب نجحوا في اجتياز هذا الحاجز. 3– مشكل معادلة الشهادات المحصل عليها في سوريا جعل عدداً كبيراً من السوريين وخاصة الشباب يغيرون تخصصاتهم ويتخلون عن كثير من طموحاتهم. 4 — رفض إعطاء الإقامة الدائمة لكثير من السوريين ومنهم عائلات بأطفال واقتصار رخصة الإقامة على خمسة أشهر او سنة رغم ان مدنهم وبلداتهم في سوريا مدمرة وغير صالحة للعيش ولازالت الحرب مستمرة فيها، يجب على الحكومة البلجيكية مساعدتهم لأخذ الإقامة الدائمة. 5– معظم السوريين حاصلون على رخصة السياقة ولكن السلطات ترفض استبدالها كما تفعل مع جنسيات أخرى. منذ وصول الدفعة الأخيرة من اللاجئين السوريين إلى بلجيكا و استتباب أمرهم انخرط عدد كبير منهم في العمل الثقافي والجمعوي سواء في كيانات تابعة للجاليات العربية الأخرى خاصة المغربية، أو في جمعيات خاصة بهم. وتتميز الجالية السورية ببروكسل عن باقي الجاليات العربية التي سبقتها بكون أغلب افرادها من المتعلمين بل هناك فئة كبيرة من المثقفين ضمنهم وهو ما يجعل إمكانية قيادة هذه الجالية للمشهد الثقافي والإعلامي ببروكسل وبلجيكا عموماً غير مستبعدة في المستقبل خاصة أن هذه الجالية تتميز بكثير من الانضباط والتنظيم والتضامن عكس جاليات عربية أخرى تنخرها الخلافات الفردية وحب الزعامة والشقاق. الجالية السورية تتميز أيضاً بالتنوع الديني والإثني الذي لا يؤثر كثيرا على تماسكها. تبقى هناك بعض الاختلافات السياسية وخاصة بين الموالين للنظام والمعارضين ولكن تبقى محدودة في فئة قليلة إذ معظم السوريين يسعون إلى إعادة بناء حياتهم بعيداً عن السياسة وهمومها. وتبقى الجالية السورية مثلها مثل باقي التجمعات البشرية معرضة لجميع انواع النقائص والاختلالات التي قد يستعملها الإعلام المغرض للإساءة لمجموع الجالية كما فعل مع خلافات عائلية أفضت في 19 أكتوبر الماضي إلى مواجهات عنيفة ببروكسل حيث وصفتها بعض وسائل الإعلام بأنها حرب شوارع بين السوريين، أو المبالغة في تغطية بعض المواجهات بين المعارضة السورية وبعض العناصر الموالية للنظام التي تسعى إلى نسف أنشطتها. كل هذا يتطلب يقظة و حنكة النخب السورية في التعامل مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.