كنت اتحدث اليوم مع طبيبة بلجيكية مسنة حول رمضان و الاسلام و عيد الفطر و قالت لي حرفيا:  بأنها “في غشت من صيف 78 او 1979 زارت مدينة مراكش و تزامنت زيارتها تلك مع شهر رمضان انذاك و الحرارة  كانت تصل  50 درجة. فالشرطة المغربية كانت تدور على المنازل تطلب من الناس شرب الماء بل ارغام المسنين و الاطفال على شرب الماء نضرا لإمكانية تعرض صحتهم للخطر… لكن الكثيرين منهم كانوا يرفضون شرب الماء”

لست اماما و لا فقيها، لكنني كمهتم بالقضايا المجتمعية و الثقافية بالمغرب و غيره جعلني احيانا اتسائل حول علاقة المغاربة بالإسلام؟ او ما معنى  الاسلام عند المغاربة؟

و هل صوم رمضان عند المغاربة مرتبط حقا بالإيمان العميق بالدين ام بنفاق اجتماعي يراد منه باطل.

كيف يمكن ان نفسر ان العديد من المرضى و خاصة مرضى السكري او المسافرين من المغاربة يرفضون الاكل بالرغم من الرخصة الواضحة التي منحها لهم القران الكريم؟

 اعتقد انه لا يختلف اثنان، ان اول شيء تعلمه المغاربة في المدرسة او في المسجد كون ان هناك خمسة  اركان في الاسلام:

– الشهادتان

 – الصلاة

– صوم رمضان

– الزكاة

– حج بيت الله الحرام لمن استطاع الى ذلك سبيلا.

لنكن اكثر وضوحا و واقعية مع انفسنا لنعترف بان المجتمع المغربي متسامح الى حد كبير مع الاركان الاربعة  الشهادتان، الصلاة، ، الزكاة  و الحج)، لكنه اكثر تشددا مع ركن الصيام. فلماذا يا ترى كل هذا التشدد مع هذا الركن دون غيره؟

تعلمنا بان الصلاة هي عماد الدين و ليس الصوم، و مع ذلك ان كان المرء لا يصلي فأمر مقبول عند غالبية المغاربة، فقط  هناك من ينهاك من المقربين  او من بعض المؤمنين من حين لآخر لكن لا يلزمك احدا لأداء فريضة الصلاة و  حتى القانون المغربي لا يجرم الغير المصلين.

فحسب بعض المحللين فان تشدد المغاربة في ركن الصيام راجع الى ثلاثة عوامل:

أولا الجهل بأمور الدين و الدنيا.

ثانيا: كون الصيام محدود في الزمن اذ لا يتجاوز الشهر لذلك فان العديد من المغاربة يقولون بان “شهار ايدوز ايدوز واخا بالدبوز”.

كما ان البعض الاخر يقول بان الاستعمارين الفرنسي و الاسباني هما الذان رسخا ركن الصيام دون غيره من الاركان في المغرب. ففي عهد الاستعمار الفرنسي تم سن قانون معاقبة “اكلي رمضان”، و همش او تغاضى النظر عن باقي اركان الاسلام اما تضليلا او استغلالا للدين لتنويم الناس.

كما ان المستعمر الاسباني في عهد  “فرانكو” كان يعتقل “اكلي رمضان” في الشمال، و يعد المغاربة المشاركين في قتال “الكفار الشيوعيين” ابان الحرب الاهلية الاسبانية في الثلاثينات من القرن الماضي بأداء لهم مبلغ فريضة الحج.

لنكن صرحاء مع انفسنا و نعترف بان الاغلبية المطلقة من المغاربة  لا تؤدي الزكاة و العديد منهم لا يؤدي فريضة الصلاة و اغلبيتهم لا يئدون فريضة الحج لسبب او لآخر.

فهذا الامر اصبح معروفا عند العادي و البادي لكن الجميع يصمت عن الامر كان المغاربة لا تعنيهم هذه الاركان من الاسلام او ان المجتمع المغربي تطور في اتجاه امكانية  تأسيس دولة مدنية حداثية.

وكما هو معلوم ايضا  ان نسبة مهمة من المغاربة “تتناول الخمور” ( بطاي طاي) باعتبار ان مئات من الحانات و الكباريهات و الاوطيلات و “المرجانات” تظل ابوابها مفتوحة امام عاشقي الجعة ألباردة،  بل العديد منهم ” يزنون” وفق التعبير الديني، و يكذبون و ينافقون و يغشون و يدفعون الرشاوى لقضاء اغراضهم او مرتشون و ينهبون خيرات البلاد و العباد و يتعاملون بالربا…. كل هذه الامور يتسامح معها المجتمع المغربي و كثيرا منها تمر دون حساب و لا عقاب بالرغم ان القانون المغربي يمنع بعض من هذه السلوكيات و الممارسات.

و السؤال الذي يبقى  مطروحا: لماذا  يتساهل المغاربة مع كل هذا في حين يرجمونك ان شاهدوك  تأكل رمضان؟

 و لماذا القانون المغربي يدين “وكالي رمضان” بعقوبات حبسية قد تصل الى ستة اشهر سجنا نافذة؟

و ما هو  موقف العلماء و المثقفين و الاحزاب و منظمات المجتمع المدني في هذا النفاق المجتمعي؟

 

من المعلوم  ان المغرب تسكنه اقليات دينية من “اهل الكتاب” كما ان هناك لائكيون و تقدميون و برجوازيون و مثقفون لا يصومون عن قناعة، لكن نضرا لنفاق الدولة و المجتمع فان هؤلاء يضطرون ممارسة عقائدهم او قناعاتهم في سرية مطلقة.

فهناك من يأكل في اماكن مغلقة بما فيها المراحيض خوفا من غضب “جهلاء المجتمع” الغير المتسامحين او من عقوبات المخزن.

و عليه اتسائل لمن يصوم الناس للبشر ام لله؟. فإذا كان الصوم لله  فان الصوم من عدمه يبقى بين الخالق و المخلوق. اما ان يصوم و يصلي المسلم للمظهر فقط و و يتبجح بها امام العامة  فهذا هو النفاق بعينه الذي يلعنه الله.

ان الدين لله و الحرية للجميع. فكل شاة تتعلق من رجليها اما ما يجمعنا هو احترام الاخر و التعايش السلمي بين اهل الوطن الواحد و عدم الاعتداء عن الغير و حقوقهم و حرياتهم كيفما كان لونهم و دينهم و جنسياتهم…..