هولندا: محمد بوتخريط 

أضحت الجدران الزرقاء لهذا العالم الأزرق ، الخاصة منها والعامة شبيهة بساحة “سباق” مفتوحة بين بعض الجمعيات والمؤسسات بل وكذلك الاشخاص من منظمي “حفلات” أعياد السنة الامازيغية .. أو هي احتفالات.. لم أعد قادرا على تمييز الروائح في شقتي من فرط تعددها .
فقد طمست صور الدعاية ‘للحفلات’ معالم هذه الساحة الزرقاء التي انطلقت منها ذات مساء غير بعيد أكبر المظاهرات والحِراكات.
أما ساحة ” الميسينجر” فلم يعد بالإمكان الاستدلال على موقعها من كثرة الملصقات الضخمة التي تصلها.
الكثير من المؤسسات كما الجمعيات بل والآن كذلك جمعيات أخرى تأتي من المغرب لتُقيم احتفالا بالسنة الامازيغية في هولندا، بل و كذلك الأشخاص نرى جميعهم يتسابقون لحجز التواريخ والقاعات ، يتشدقون برعايتهم للأمازيغية والدفاع عنها . وعكس ذلك تبين الوقائع أنه لا تختلف تحركاتهم كثيرا عن مسرحيات الخطابات الرسمية ، مهما كانت المبررات. بل ان الكل يتخندق في خندق واحد. بحيث لا قطيعة مع الماضي في ما يخص السياسة المتبعة في تدبير ملف القضية الأمازيغية،امتداد لنفس السياسة وهي أمور  نلمسها عبر الكثير من الأحداث والوقائع التي تعرفها وتعيشها القضية .. وطبعا مع بعض التحفظات على جدية بعض الاشخاص وبعض الجمعيات.

وأنا لست ضد الاحتفال كمالا أريد يوماً خاصاً له، ولا يوما يُعرِّف بالسنة الامازيغية يفتح أبواب التواجد في مخيلة الاخر ، لا أريد أن يُشيد به أحد قائلاً ” إنها سنة أمازيغية ..وكفى”، ولا أن يشيروا إليها في الندوات والجلسات بهذا الشكل من الاحتفالات . نحتفل ، نغني نرقص نأكل “الكُسْكُسْ الأمازيغي” (أو على الأقل هذا ما يقولون عنه) ولا نجدد العهد بعد ذلك لخدمة القضية بِحق وعزيمة.
أريد قبل كل هذا وذاك أن يُفتح للاحتفال أبوابا أخرى للتواجد في مخيلتنا بشكل آخر..أن يُحترم الثقل الذي يتميز به. و يحسن بنا بالتالي أن نجيب وبكل شجاعة عن السؤال الذي أرجأنا الإجابة عنه لفترات وهو: “بماذا ولماذا نحتفل؟”.
عندها فقط سيتحقق الاحتفال العادل، وسنتعلم كيف ننجح لأجل ذلك، وأن نبتكر المناسبات الحقيقية والفرص الصحيحة  للارتقاء به.

أما وأن نقول أننا نحتفل “بالسنة الأمازيغية” باستدعاء فرق موسيقية وفولكلورية أحيانا وبالرقص والموسيقى (فقط)..بعيدا عن كل مغزى اجتماعي أو سياسي أو تاريخي أو حتى “هوياتي” فهذا سابق لأوانه ،لأن قبل الإحتفال ، وجب أن يسبق ذلك صحوة وحركية تمس جوانب أخرى من القضية كالهوية والتاريخ والأهم الدفع في أفق الاعتراف الرسمي الجاد والحقيقي بهذا اليوم حتى يصبح فعلا حدثا تاريخيا لشعب برمته..أن يشكل الاحتفال مناسبة للتذكير بالملفات المتراكمة، أن تكون رأس السنة الأمازيغية التي يتم الاحتفال بها اليوم هنا وتحت أسماء وفي أماكن مختلفة، من المحطات الأساسية للتأكيد على أصولنا الأمازيغية تراثيا وتاريخيا وحضاريا و…ثقافيا، وورقة جديدة لتوسيع هامش المطالب.. أولها جعلها عطلة رسمية في كل البلد، حدثا يدونه الأطفال في مدوناتهم .. يرسمون حروفه على كراساتهم ويكتبونها سنةً أمازيغية كما يكتبون الميلادية والهجرية. وأما وإن كنا نحتفل فقط حتى نؤكد وجودنا الشكلي ( أنا أحتفل إذن أنا موجود) على غرار الكوجيطو الديكارتي إياه، فالنتيجة وحقيقتنا يؤكدها الواقع .. انقسامات ، تناحرات ، خلافات ثم جماعات .. منها من تبحث لنفسها فقط عن مكان أو وضعٍ على سطح الحياة السياسية..ومنها من تبحث عن مبادئ “ثابتة” لها أوحتى عن شعار تعمل تحته.
هنا .. كثر الحديثعن الإحتفالات ، حول أماكنها ومواعيدها  .انقسم الناس فرادى و جماعاتدون ان يحاولوا ان يجدوا خططا أو حلولا أخرى .. فمن المفارقات الغريبة أن بعض هذه الجمعيات لا يهمها أمر إن كانت جمعيات أخرى شبيهة تحتفل بنفس الحدث في نفس اليوم ..بل وفي نفس التوقيت !! . فيحتار المرء إلى من يلجأ في “مساء واحد ” كثرت فيه الإحتفالات ومعها السهرات ، حتى بات الصمت المطبق أحيانا هو الخيار، ومعه التساؤل إلى أين أذهب ومع من احتفل ؟!

هي احتفالات -أو دعونا وللأمانة نقول – هي “سهرات” مشتتة هنا وهناك .. خارج اي تحضير علمي ممنهج او أي اشتغال استراتيجي او حتى مراجعة إستراتيجية شمولية لها.

لماذا لا يتم التفكير مثلا في التنسيق مع هذه الجمعيات لاحتفالات مشتركة. فروع تحتفل بتنسيق مع جمعيات أخرى في إطار ما قد نسميه مثلا بكونفدرالية الجمعيات الأمازيغية، وتُنظم بالتالي احتفالات أكبر وأوسع، وسيكون للامر لا محالة ثقل أعمق وضغط أكبر؟  وأما الاحتفال من اجل الاحتفال فالكل يحتفل، و”رمزية” السنة قائمة سواء احتفلنا أو لم نحتفل وسواء احتفلنا جماعة أو أن كل واحد وكل جمعية احتفلت لوحدها.
هي فعلا مسافة شاسعة بين المبادئ الحافلة بها هذه “الإحتفالات” وبين الممارسات السائدة على صعيد الواقع.
فمن الذي يخلق هذا التباين بين المبادئ والممارسة؟
فعلا لم يعد الامر غريبا أن نشهد إفرازات غير طبيعية لحالة من الفوضى والالتباس.. تدفع البعض أحيانا الى البوح بمعطيات مغلوطة..تراهم يؤطرون ويصرحون :”نحن من أحيا الإحتفال هنا ونحن من اعاد له شرعيته “. لتتشكل بذلك فجوات صادمة للمتلقي ، الذي يظل يحاصره سؤال يؤرق تفكيره :”مَن هذا ال:”نحن” الذي يزعم انه هو من شرع أو أحيا الإحتفال!!؟”. يحدث هذا عند هؤلاء ، سواء لِجهلهم للأشياء والتاريخ أو ناسِيين او حتى متناسين ، ان في بعض الأحيان ،عندما تصدر قرارات عاجلة للجواب على أسئلة ما، أجوبة سريعة أو وقتية. فإن ذلك قد ينجم عنه خلط كبير للأشياء والمفاهيم ،وقد يعوق فهم الأمور أكثر مما يسهلها.
جميل أن نحتفل نرقص ،نغني ونحمل صورالأبطال والأعلام وأيادٍ ترفع السبابة والوسطى /إشارات للنصر. وقد لا نختلف كذلك على ان “الأبطال” الذين تملأ صورهم بعض هذه الإحتفالات ، رجال الثورات والسلام والتحريرعلى مر العصور, وشخصيات عظيمة لا يمكن نسيانها بسهولة.ولكن (أتسائل فقط وحيث التساؤل مشروع )”لماذا أحمل صورة بطل إذا كنت غير قادرا على اتخاذه (دون نفاق) قدوة لي في القول و…العمل ؟!”.إن أردت فعلا ان تخلد ذكرى “بطل ” فليس فقط بحمل صوره بل بالسيرعلى….خطاه.
لنتفق إذن على أن هناك من الخبايا والأسرار الكثير الذي لم يكشف عنه بعد.
الغريب في بعض هذه الاحتفالات اليوم ، أن أصحابها والقائمين عليها أصبحوا يتفننون في اختيارات المشاركين ،احيانا يقتصرون على استدعاء واستقدام بعض “الفنانين” فقط غير سواهم ، واحيان أخرى على استقدام بعض وجوه “الحراك”.. كنوع من “الاشهار” يضمن لهم التأثير على الجماهير للحضور.. وجوه مألوفة ، يراهنون عليها ليكون الاقبال على ” الحفلة” اكبر..
فهل هو “تمييزا” واعيا،إراديا، منظما وممنهجا نتيجة اختيارات معينة وسياسات محددة أو بالعكس هو عفويا، لا إراديا، ونتيجة ميكانزمات وآليات أخرى نجهلها ؟
هل لا وجود لغير هذه “الوجوه المألوفة”( مع تقديرنا واحترامنا اللامتناهي لها ) نعطيها هي الأخرى فرصة التعبير والتفاعل..؟
هل إن تم استدعاء آخرين من فنانين بسطاء ملتزمين (نحن فعلا في أمس الحاجة اليهم) سيُنقصون من قيمة ” الاحتفال” ؟
أم ان ” المُعتقد” أن وجود هؤلاء سيُظِر بشباك التذاكر!؟
أم أننا نريد مقارعة سهرات واحتفالات دبي ومراكش باحتفالات السنة الميلادية بجماهير غفيرة  ؟
قبل سنوات كان للإحتفال طعما آخر مختلفا عن الطعم والروائح التي نعيشها اليوم هنا..كانت الاحتفالات بسيطة ..لكن وإن كانت كذلك؛ لكنَّها كانت أكثر خصوصيَّة، فكثيراً ما نشاهد أشياء كثيرة معبرة مرتبطة فعلا ب”ناير” من خلال إظهار العادات القديمة لهذا اليوم وبُعده التاريخي والهوياتي.
فدعونا في بساطتنا وتقاليدنا وعاداتنا.. فخلفها تقف فلسفة أخلاقية رائعة تبررها وتدافع عنها. يجب أن نفتخر بعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا ونترجم ذلك على ارض الواقع.. يجب ألّا نخاف من عرينا، إن اضطررنا أن نتعرى .
فارفعوا أياديكم عن احلام أطفالنا لتضيئ الطريق ، وتجعله يحكي لنا الحكاية منذ أن كان لهم اول الأحلام في الإحتفال ، قبل أن يدركه الدخلاء ومن معهم مِن مَن حرفوا فيها مراكب الأمان عن مسارها.
ولكن ولأن أحلام الأطفال بريئة مقدسة ،فلا الأيام قادرة أن تحرقها ، ولا حيل كل الدخلاء قادرة أن تخفي معالمها.
هي أحلام تسكن فينا،ألما لا يهدأ وجع لا يموت.
فدعونا في بساطتنا وتقاليدنا وعاداتنا..

لا نريد احتفالا بالألوان ، يجب أن نستقيظ من كبوتنا، ونحتفل بشيء يشبهنا …
نريد احتفالاً يليق بتراثنا وتاريخنا وحضارتنا و… ثقافتنا.