بحسرة شديدة تقبلنا انهزام المنتخب الوطني المغربي في مباراته الثانية في كأس العالم أمام نظيره البرتغالي بهدف وحيد سجله أفضل لاعب في العالم منذ الدقيقة الرابعة، إذ لم يسعف الحظ لاعبي المنتخب الوطني رغم محاولاتهم العديدة وسيطرتهم على أطوار المقابلة خلال الشوطين، لتخيب بعد ذلك آمال المغاربة داخل الوطن وخارجه في المرور إلى الدور الثاني من كأس العالم المقامة في روسيا.

 

إلا أن مباراة أمس الأربعاء 20 يونيو 2018 سيذكرها المغاربة بفخر واعتزاز كبيرين أيضا، ينسياننا مرارة الإقصاء؛ فعناصر المنتخب الوطني المنحدرة أغلبها من الهجرة المغربية أثبتت، بالإضافة إلى كفاءتها العالية، حبا وارتباطا بوطنها الأم قل نظيرهما، واستعدادا غير مشروط للتضحية من أجل إدخال الفرحة إلى قلوب الملايين من المغاربة.

 

الروح الوطنية العابرة للحدود:

 

وإن كان جميع لاعبي المنتخب الوطني يستحقون التنويه لما بذلوه من جهد في هذه المباراة، ولما أظهروه قبل ذلك من ارتباط أصيل ببلدهم الأم باختيار اللعب له وإدارة الظهر لمغريات منتخبات أوروبية طويلة الباع في مجال كرة القدم، إلا أن لاعبا واحدا أسر قلوب جميع المغاربة وقدم درسا حقيقيا في فداء الوطن بالروح، والتضحية بالنفس من أجله، رغم أنه ولد وترعرع وبدأ مساره الكروي في دولة أوروبية.

 

يتعلق الأمر بنور الدين أمرابط، الذي حبس أنفاسنا خلال المباراة الأولى أمام إيران عندما أصيب بارتجاج في المخ وسقط مغشيا عليه أثناء التحام مع لاعب إيراني. نور الدين أمرابط فاجأ الجميع بإصراره على المشاركة في المباراة الثانية، ولم يكترث بتحذيرات الطاقم الطبي واعتراض المدرب، وفرض إرادته الوطنية على الجميع، معرضا حياته للخطر، ليدخل ملعب موسكو بخوذة واقية سرعان ما تخلص منها وقدم مباراة كبيرة بمجهود بدني استثنائي، جعل الجميع يرفع له القبعة تعظيما واحتراما، وضخ في قلوب الجميع جرعة إضافية من حب الوطن والافتخار بالانتماء إليه.

 

إن موقفا مثل هذا يدعونا إلى التأمل مرة أخرى في مدى تشبث مغاربة العالم بوطنهم الأم وعمق العلاقة الوجدانية التي تربطهم به، والتي لا نجازف إن قلنا إنها تزيد من تعزيز الشعور بالوطنية ليس لدى أجيال الهجرة المغربية، ولكن أيضا لدى المغاربة المقيمين فوق التراب المغربي من الشمال إلى الجنوب.

 

لقد اختار لاعبو المنتخب الوطني المنحدرين من الهجرة عن قناعة وحب تمثيل منتخب بلدهم الأصل، ولم يترددوا في تلبية ندائه، أسوة بمختلف الكفاءات المغربية بالخارج؛ وفي مقابل ذلك، لم يتردد الشعب المغربي في مبادلتهم الحب بالحب والتضحية بالتضحية.

 

وإذا كان اللاعبون بذلوا كل ما في وسعهم فوق أرضية الملعب، فإن الجماهير المغربية سواء القادمة من المغرب أو التي حجت إلى روسيا من مختلف دول الاستقبال كانت في الموعد وهزت تشجيعاتها مدرجات ملعب موسكو، وبلغ صداها قلوب المتابعين عبر شاشات التلفاز. وانعكس هذا الالتحام أيضا على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تزينت بألوان العلم الوطني وعبارات التشجيع والدعاء للمنتخب قبل المباراة، ولم تثنها الخسارة عن تحية العناصر الوطنية والتنويه بالروح القتالية لأمرابط وزياش وبنعطية والأحمدي وباقي اللاعبين الذين يتنفسون هواء الهجرة ويسري في عروقهم حب الوطن.

 

رهانات وتحولات الكفاءات الرياضية المغربية في الخارج:

 

من جهة أخرى فإن حسرة الإقصاء لا يجب أن تنسينا التفكير بشكل إيجابي في المستقبل؛ فلن نكتفي بعبارة «خسرنا كأسا وربحنا فريقا»، ولكن على القائمين على الشأن الكروي بلورة هذه الفكرة في مشاريع واقعية هدفها بناء منتخب قوي، بالاستفادة من الأخطاء ومواصلة الاشتغال مع هذه المجموعة وتطعيمها بعناصر أكثر فعالية. وما يجعلنا متفائلين بهذه المجموعة، بالإضافة إلى حسها الوطني العالي وروحها القتالية ونكران الذات الذي أظهرته، كون معظم عناصرها شابة وتمارس في فرق محترفة، ما يعني أن مجال التطور مازال مفتوحا أمامها؛ وبالتالي فإن المشاركة بمستوى أفضل في كأس العالم المقبلة في قطر كهدف إستراتيجي يقتضي التفكير في مواكبة هذه النواة بتسيير كروي احترافي على كافة المستويات، بداية بمدارس الفرق في المغرب، ووصولا إلى الرفع من التنافسية في البطولة الوطنية…

 

وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإن الملاحظ للشأن الرياضي الوطني في علاقته بالهجرة لا بد وأن ينتبه إلى أننا أمام ميلاد جيل جديد مختلف من الرياضيين المغاربة في المهجر، يغير من التركيبة الاجتماعية للرياضيين من مغاربة العالم، كما عهدناها في السابق.

 

فإذا كانت بداية الألفية الثالثة تميزت بظهور الرعيل الأول من اللاعبين المنتمين إلى الجيل الثاني للهجرة المغربية، ممن ولدوا في دول الإقامة واختاروا تمثيل بلدهم الأصلي، وهي ظاهرة مستمرة وبكثافة أكثر؛ إلا أننا اليوم أصبحنا أمام شباب من مغاربة العالم له أكثر من انتماء مزدوج، وهو ما نلاحظه في حالة اللاعب المهدي كرسيلا المزداد في بلجيكا من أم مغربية وأب إسباني، ما يعني أن بإمكانه الحصول على ثلاث جنسيات، وأيضا حالة اللاعب مروان داكوستا، المزداد في فرنسا من أم مغربية وأب برتغالي، وهي ظاهرة جديدة تزيد من عولمة الهجرة المغربية ونجاح اندماجها في بلدان الاستقبال من جهة، وتعزز ارتباط الأجيال الجديدة من مغاربة العالم من ذوي الكفاءات العالية بوطنهم الأم.

 

وتمكننا أهمية الوقوف عند هاذين النموذجين أيضا من أن نستشف أن اختيارهما حمل القميص الوطني لم يكن ممكنا لولا الإصلاحات التي جاءت بها مدونة الأسرة، وخصوصا السماح للأمهات المغربيات بنقل جنسيتهن إلى أبنائهن من الزواج المختلط.

 

وهذا دليل آخر يظهر بالواضح أنه كلما كانت هناك إصلاحات تشريعية ومؤسساتية تهم المحافظة ودعم حقوق الجالية المغربية بالخارج، وتمكينها من المزيد من المكتسبات القانونية والاجتماعية والسياسية، إلا وكانت هناك قيمة مضافة تنعكس إيجابا على المغرب، سواء من خلال تحسين صورة المملكة في العالم في مختلف الميادين أو من خلال الاستفادة من خزان كفاءات الجالية المتجدد في تنمية وطننا المغرب.