مـسـرح الـــبدوي …مـــسـيـــرة نـــضـــــــال

سنة جديدة مرت من عمر مسرحنا العريق، سنة نحيي فيها ذكرى ميلاد هذا المسرح المناضل الذي ولد بالدار البيضاء سنة 1952 من رحم الحركة الوطنية و ترعرع في كنف زعمائها وقادتها الذين تبنوه آنذاك لحشد الجماهير و توعيتها من خطر استمرار المغرب تحت وطأة الاستعمار الغاشم و تحفيزها على النضال و المقاومة الشريفة حتى الاستقلال لتبدأ بلدنا مرحلة العهد الجديد و يبدأ مسرحنا مرحلة جديدة في بناء الوطن تجاوزنا فيها كل مظاهر التعسف الإداري و التضييق في فرص الشغل التي كانت تقدم لفرق السلطة على طبق من ذهب و ذلك من خلال برامجنا السنوية التي انفتحت على الصف الديمقراطي و على ما أصبح يعرف اليوم بالمجتمع المدني ، حيث عرضنا في المدن و القرى، في الأرياف و الجبال، في المصانع و المناجم، في المدارس و الاعداديات و الثانويات و رحاب الجامعات، في المستشفيات و ملاجئ الأيتام، في المخيمات الصيفية لفائدة أبناء العمال بل وفي الخطوط الأمامية للقوات المسلحة الملكية و هي تواجه الموت دفاعا عن حوزة الوطن، قدمنا عروضا مسرحية متنوعة من المسرح المغربي و العربي و العالمي ، بالإضافة إلى إنشائنا لمركز تكوين الممثل التابع لمسرحنا بالمجان و الذي عوض ولازال غياب معاهد وطنية للتكوين المسرحي تخرج منه أجيال من الفنانين العاملين في الحقل الفني ببلدنا و هكذا أصبحت تجربتنا المنفردة و التي تجاوزت عقدها السادس الآن بكل فخر نموذجا يكاد يكون وحيدا لتجربة “المسرح المستقل” في وطننا العزيز باتت مادة علمية للباحثين و الدارسين للمسرح في الجامعات المغربية و العربية و الدولية، لأننا كنا ولا نزال نؤمن بأن نهضة الأمم وتقدمها و إسهامها في الحضارة البشرية لا يتأتى إلا بوضع الثقافة و الفنون وكل مناحي الإبداع في الصدارة.

و إذا كان وطننا اليوم يعيش مرحلة جديدة و هي مرحلة التحول الديمقراطي المليئة بالتحديات فإن الفضل في ذلك يعود إلى أجيال من المناضلين الشرفاء وفي طليعتهم رجال المسرح و نسائه و المبدعون الحقيقيون الذين آمنوا بدور المسرح الطلائعي في الإصلاح و التغيير و إرساء قواعد الديمقراطية الذين  صبروا و ناضلوا حيث مورس عليهم جميع أنواع الإقصاء و التهميش و الإرهاب الفكري و الإذلال والتفقير و الإهانة من طرف رموز الفساد و فلول الاستعمار و كتائبهم في الثقافة و الإعلام حتى وصل بنا الحال اليوم أن يعتلي وزارة الثقافة وزير لا علاقة له بالثقافة وزير يمارس الاستبداد المرفوض في مغرب اليوم ويتجرأ على رموز ثقافة الوطن و تاريخه بشكل يدعو للتساؤل عن المرجعية التي أصبحت تدار منها وزارة الثقافة ؟ اليوم نحتفل بذكرى 62 سنة على تأسيس مسرح البدوي و بذكرى اليوم الوطني للمسرح الذي كان لمؤسس مسرحنا عميد المسرح المغربي الفنان المناضل عبد القادر البدوي الفضل في تفجير المسكوت عنه من طابوهات الفساد والريع الثقافي و في توصيل صوت المسرحيين المحترفين لجلالة الملك المرحوم الحسن الثاني الذي استجاب لمطلبهم بل أسس برسالة ملكية خص بها المسرحيين المحترفين في 14 ماي 1992 أرضية لمشروع ثقافي وطني كان سيشكل انطلاقة لنهضة مسرحية وثقافية وطنية لولا تآمر و تكالب فلول الاستعمار و كتائبهم المتربصين بالثقافة الوطنية و المستفيدين من حالة التسيب الثقافي.

كان الأمل كبيرا أن نحتفل و نخلد هذا اليوم الوطني للمسرح المغربي و أب الفنون في حالة أفضل من هذا الحضيض الذي يمنع المسرح عامة والمسرح الاحترافي خاصة من أن ينطلق نحو الآفاق الأرحب التي ارتادتها له الحركة الوطنية، وهي تعقد الآمال العريضة على أن يكون المسرح المغربي قاطرة النمو و التغيير المنشود .كان الأمل عريضا في أن يحل هذا اليوم الوطني ومسارح المملكة مضاءة، حيث البنية التحتية قد تحققت و حيث المعاهد ترعى الأجيال وتزرع في نفوسهم حب الثقافة و الفنون و تقدير الرواد ورموز الوطن في كل المجالات تعلمهم ثقافة الانتماء لوطنهم، و حيث الفرق المحترفة و الجمعيات الهاوية تجد المناخ الملائم للإبداع و الإشعاع بوازع وطني محض. لو حظينا بحكومات تؤمن ببناء الإنسان  قبل بناء الحجر لما اضطرت الدولة اليوم تشييد المزيد من السجون. السجن الحقيقي هو سجن الأمية و الجهل الذي سوق لشبابنا من خلال سياسة ثقافية معاكسة يتزعمها رموز الثقافة الاستعمارية والتي تعتمد على القطيعة مع الماضي و محو الذاكرة التاريخية الوطنية و الاغتيال المعنوي للرموز الوطنية في مختلف المجالات و تزوير و تشويه تاريخنا و التحقير من اللغة العربية و إهانة الرموز الدينية وصناعة القدوة الفاسدة بالتسويق للابتذال و الإسفاف و الانحلال الأخلاقي و التحقير من الشخصية المغربية و غلق الفضاءات الثقافية من مسارح و مكتبات و صالات السينما و دور الشباب بمختلف أقاليم المملكة و التعتيم الإعلامي على الأعمال الوطنية الجادة بالإضافة إلى التضييق و الإقصاء للفرق المسرحية المستقلة المعارضة لسياسة الثقافة المعاكسة والرافضة لكل أشكال التبعية للفركفونية.

ومهما يكن فإننا نحمد الله على هذا العمر المديد و على هذا الرصيد العتيد و نشكر بهذه المناسبة جماهير مسرح البدوي الذي استمر بدعمها و حبها، نحيي كل الفنانين و الفنانات ، ممثلين و ممثلات ، مؤلفين ومخرجين ، شعراء و موسيقيين ، تشكيلين ، تقنيين و إداريين الذين تركوا بصماتهم النيرة في سجلات مسرحنا، نترحم على الأموات منهم داعين للأحياء بالصحة وطول العمر.وكل عيد وطني ومسرحنا يقاوم الاستلاب الحضاري و الميوعة و الابتذال و الإجهاز على الحقوق و المكتسبات.

المجد و العزة للفنانين المناضلين الذين صدقوا ما آمنوا به من قيم  ومثل وتقاليد فنية راسخة و ننادي بصوت عال… يسقط رموز الفساد الثقافي.