الدكتور عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج.

 

بعد مرور حوالي 60 يوما على تـوقيع الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، لـقرار حل مجلسيْ البرلمان، وعلى بعد أسبـوع من إجـراء الانتخابات التشريعية الإيطالية، إلى جانب أخرى جهوية بكل من منطقتيْ لـومبارديا ولازيـو يوم 4 مارس 2018، تعيش إيطاليا حملة انتخابية شـرسة، بلغت درجة تسريب فضائح شخصية وترويج لأخبار زائفة، أشهر فيها كل فريق انتخابي كل وسائلـه مستعينــا بكتائبه الإعلامية ومثقفيه وكل المؤثرين في الرأي العـام الإيطالي، في تناغم تام مع انتظارات الناخب الإيطالي.

 

انتخابات فوق رمال متحركة وتحالفات هجينة:

 

الأكيد أن تشريعيات إيطاليا لسنة 2018 تختلف عن سابقاتها وستُشكل إعلانا ببدايـة فترة سياسية جديدة بعد تشريعيات 2013 التي عرفت تعددا للحكومات، من حكومة إنريكـو ليتا بعـد فـشل مشاورات لويجي بيرصاني (الفائز في تشريعيات 2013)، إلى حكومة ماتيو رينزي التي سقطت بعد فشل استفتاء التعديل الدستوري 4 دجنبر 2016، ثم حكومة باولو جانتلوني الحالية.

 

كما أن الانتخابات المقبلة تحمل متغيرات عـدة ومعطيات جديدة في المشهد السياسي، من أبـرزها تـرشح ماثيو رينزي (زعيم الحزب الديمقراطي) لمجلس الشيوخ، حيث سيتحدى منتقديـه بلعب ورقة الشرعية الشعبية بدل الحزبية فقط.

 

من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل العودة الـقـوية لسيلفيو برلوسكوني (81 سنة) إلى الساحة السياسية من النافذة، بعد أن خرج منها من باب قرار منعه من الترشيح بسبب صدور حكم نهائي ضده في قضية التهرب الضريبي، لذلك فإن برلوسكوني سيكون لا محال مُـلهم أحزاب وسط اليمين الإيطالي وأيْقـونتها التي لا غنى عنها.

 

المعطى الجديد في هذه التشريعيات أيضا هـو رجوع الفـنان الـساخر بيبـي غريلو خطوة إلى الوراء، واكتفائه بلقب الأب الروحي ومُنظر حركة خمسة نجـوم، وتركه المجال لشباب الحركة لقيادة الحملة الانتخابية، وعلى رأسهم لويجي دي مايو، 31 سنة، كمرشح باسم الحركة لرئاسة الحكومة المقبلة.

 

كما يجب أن نشير إلى تغييـر ماتيو سالفيني، زعيم “حزب عصبة الشمال”، المعروف بمواقفه العدائية نحو الإسلام والمهاجريـن واختياراته الانفصالية عن إيطاليا وتقسيمها، لشعار حزبه وحذفـه لكلمة “الشمال”، مما يجعل الأمر بمثابة تعديل سياسي في توجه الحزب، ومراجعة فكرية وأيديولوجية يستهـدف بها فئة معينة من الوعاء الانتخابي الإيطالي ويستجيب لواقع المرحلة السياسية الراهنة.

 

بينما يبقى المتغير الأخير في الساحة السياسية الإيطالية خلال هاته الانتخابات هو كونها تشريعيات تجري وفـق قـانون انتخابي جديــد “روزاليوم”، وهو بالمناسبة قانون معقـد جدا، وتم تمريره بصعوبة وخضع لعدة قراءات، ليتم التصويت عليه بفارق 8 أصوات فـقــط في نوفمبر 2017.

 

في ظل هذا السياق السياسي والانتخابي، يشبه المعلقون على الشأن الإيطالي الناخب بمن يتأمل في “لائحة الطعام” بأحد المطاعم؛ بحيث يصعب التمييز بين برامج اليسار وبرامج وسط اليمين، ويصعب أيضا فهم التحالفات السياسية مثل تحالف الحزب الديمقراطي (اليسار) مع بعض رموز وسط اليمين مثل فيرناندو كالزيني، رئيس مجلس النواب السابق، وبياتريس لورانسيني، وزيرة الصحة الحالية، والمجتمعين في “الحركة المدنية الشعبية”.

 

كما يصعب تفسير انفتاح إيما بُونينو، وزيرة الخارجية السابـقة (الحزب الراديكالي)، واستعداد لائحتها الجديدة (+ أوروبا) للتحالف مع حزب برلوسكوني، بل إن هذا الأخير نفسـه تحالـف مع أحزاب ذات خلفية يمينية متطرفة كـ “حزب العصبة” لـسالفيني وحزب “إخوة أيطاليــا” لجورجيــا ميلُـوني!

 

من جهة أخرى، فان هذا السباق الانتخابي يشارك فيه أيضا “حزب أحرار ومتساوون”، ويضم نخبـة منشقــة عن “الحزب الديمقراطي” و”حزب يسار البيئة والحرية” بزعامة بيترو غراسو، رئيس مجلس الشيوخ الحالي، ويضم أيضا رموزا يسارية كبيرة جدا كماسيمو داليما، ولاورا بولدريني، رئيسة مجلس النواب الحالي، وبيـبـو شيفاتي وغيرهم، ويشتغـل في تناغـم مع “حركة الديمقراطية والحداثة” المنشقة أيضا عن الحزب الديمقراطي، التي تضم لويجي بيرصاني وفاسكو إرّانـي (رئيس سابق لجهة ايميليا رومانيا لأكثر من ولاية)، بالإضافة إلى عـودة الحزب الشيوعي بزعامة ماريو ريزولي إلى التباري بعد خروجه من البرلمان، وأيضا مشاركة حزب الخضر…

 

هذا إلى جانب أحزاب سواء من اليمين أو اليسار وحركات مدنيـة ترفـع شعارات احتجاجية كحركة “السلطة للشعب” مثلا، وحتى تيارات متطرفة كـ “حزب القوة الجديدة” و”كازا باونــد”. فهـل المشهد السياسي الإيطالي يعيـش أزمة مرجعيات سياسية؟ وهل هي تخريـجات سيـاسية جديـدة يُـناور بها الجسم السياسي الإيطالي من أجل إقـناع الناخب بالمشاركة وعدم العزوف، أم إن ظروف تدبيـر المرحلة تتطلب تحالفــات “الإخوة الأعــداء” من أجل إشبـاع نفسية ناخب اليمين، وإشهار ورقة طرد الأجانب وإغلاق المساجد فقط من أجل استقطاب الأصوات؟

 

إن ما يجعل الناخب الإيطالي في وضع “حيرة” في اختياراته الانتخابية يوم 4 مارس هو تـشابه وتشابـك الأدبيات والمرجعيات الحزبية، سواء في البرامج أو الأولويات؛ فالعديـد من برنامج حركة خمسة نجوم، مثلا، تتشابـه مع أفكار اليسار، كما أن إلغــاء الفصل 18 الشهير الخاص بضمانات العمال وتبني قانون الشغل المسمى ” فُـورنيرو” في عهد حكومات الحزب الديمقراطي يجعلك أمام حكومة يسارية بإيديولوجية ليبراليـة.

 

كلاسيكية خطاب اليمين الأوروبي:

 

كباقي الدول الأوروبية التي شهدت تشريعيات في السنوات الأخيرة، أصبحت “تيمات” الإسلام والمهاجرين في إيطاليا حطبا لإشعال لهيب الانتخابات، لتؤسس بالتالي “عُـرفا انتخابيـا” لأحزاب وتيارات اليمين.

 

ولعل الوقفة الاحتجاجية لجورجيا ميلوني عن “حزب إخوة إيطاليا” اليميني أمام “المتحف المصري بطورينو” ضد إعلان المتحف عن عـروض تفضيلية للناطقين باللغة العربية دون غيرهم، (لعل الوقفة) نموذج للتوجه اليميني في زمن الانتخابات، قبل أن يفاجئها كريستيان كريغـو مدير المتحف بأنه كاثوليكي وبأنها أخطأت مكان البروباغانـدا.

 

أما حادثيْ مقتل الشابة الإيطالية والتنكيل بجثتها من طرف متهم نيجيري وإطلاق النار من طرف إيطالي على كل من صادفهم من ذوي البشرة السوداء، بمدينة ماشيراتا الإيطالية في فبراير 2018، فلم يمرا على أنهما حادثين عاديين ولكن عقبهما تبادل الاتهام بين اليمين واليسار حول قضية الهجرة، بين طرح تسهيل الهجرة وطرح محاربة الفكر الفاشي المتطرف، خاصة وأن الفاعل في الحادث الأول مهاجر إفريقي، وفي الحادث الثاني

 

حكومة ائتلافية تحت ظل العراب بيلرسكوني؟

 

لقد أُجْبرت قوى اليمين واليمين المتطرف على الاستعانة بخدمات عــرّاب اليمين الإيطالي، سيلفيو برلوسكوني، لأن السنوات اثبتت أنه الوحيد القادر على توحيد صفوف اليمين وعلى اكتساح صناديق الاقتراع. فهو خبير في التواصل والمناورة. وأكثر من هذا، فإن تركيبة الهرم الديمغرافي الإيطالي متقدمة في السـن، ولذلك فبرلوسكوني يعرف جيدا انتظاراتها.

 

كما أن استطلاعات الرأي تؤكد هذا المعطى بما أنها بوأت تحالف اليمين، بزعامة برلوسكوني، المرتبة الأولى بنسبة 38 في المائة، وهو ما جعله يصرح في خرجاته الإعلامية بأن في حالة فوزه بالانتخابات، فإنه سيرشح شخصا من اليمين جديرا لقيادة الحكومة، فيما يكتفي هــو بدور “ضامن” تحقيـق البرامج والوعود الانتخابية؛ الأمر الذي دفع بأغلب الملاحظين إلى الكشف عن الشخصية التي يقصدها برلوسكوني، وهو رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني.

 

الاستطلاعات نفسها جعلت تحالف الحزب الديمقراطي وخليط من أحزاب يسارية وأخرى يمينية في المرتبة الثـانية بنسبة تقترب من الثلاثين بصعوبة كبيرة، وهو تراجع يجد أسبابه في انشقاقات وتيارات خرجت من رحم الحزب الديمقراطي، بسبب انتقادها طريقة قيادة ماثيو رينزي للحزب بشكـل منفرد.

 

وخشية انهيار انتخابي يوم 4 مارس وفقدان القلاع التاريخية، فقد ضاعف الحزب الديمقراطي من وتيرة الحملة معتمدا على إشراك وجوه لها مصداقية أكثر وعلى المنجزات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وفي مقدمتها الإعفاءات الضريبية التي همت ملكية العقارات وتحسين الدخل والرفع من المساعدات الاجتماعية، وانخفاض معدل الجريمة، وكـذا انخفاض معدل البطالة من 13 في المائة سنة 2013 إلى 10،8 في المائة في دجنبر 2017.

 

في المقابل، فإن حزب خمسة نجوم يعتبر القوة السياسية الأولى على اعتبار حصوله على نسبة 27 في المائة في أكثر من استطلاع، وتجد برامجه صدى لها خاصة في مناطق الجنوب والشمال. وهــو حزب يعتمد برنامجه على عناصر التجديد في آليات التواصل والاحتجاج، سـواء داخل البرلمان أو خارجه، وتبقى له حظوظ كبيرة للحصول على نسب مهمة في الانتخابات تجعل منه لاعبـا مهما، سواء كحليف في الحكومة (وهـو أمر مستبعد) أو كمعارض مشاكـس اكتسب تجربة مهمة في الولايـة المنتهيـة.

 

عموما، فإن أغلب المحللين ينفون حصول أي فصيل سياسي على أغلبية مطلقة أو على تحالف سياسي منسجم تمكنه من إدارة البلاد، مما قد يؤشر على أن إيطاليا على موعــد من جديـد مع عــدم الاستقرار السياسي، ويجعلها بعد تمرين 4 مارس أمام حليْـن؛ إما تحالف سياسي كبير متعدد وغير متجانس أو إعادة الانتخابات، بينما يذهب المتفائلون إلى إمكانية الوصول إلى تحالف كبير بقيـادة بــاولـو جانتيلـوني أو أنطونيو تاجاني.

 

على كل حال، يـوم 5 مارس ليـس ببعيــد.