يشارك مجلس الجالية المغربية في الخارج، للمرة الثامنة على التوالي، في المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الرابعة والعشرين، وذلك من خلال مجموعة من الأنشطة الثقافية والأدبية والفكرية تحت شعار: “مغاربة العالم في المجتمعات المتعددة: التحديات والفرص”.

تكمن أهمية موضوع هذه المشاركة في كونها تندرج ضمن اهتمامات المجلس المتعلقة بفهم التحديات التي تواجه مغاربة العالم والتي تحول دون تحقيق نوع من التوازن بين الارتباط بالهوية الثقافية والروحية لبلد الأصل وبين تحقيق المواطنة الكاملة داخل بلدان الإقامة والتي تتميز مجتمعاتها بالتنوع والتعدد والحرية الدينية والعلمانية

ومن ثم فإن الحديث عن وجود مغاربة العالم في قارات -أوروبا وأمريكا بشكل خاص- تحتضن تنوعا دينيا وثقافيا وتعددا إثنيا ولغويا كبيرا، يقتضي الحديث عن التحديات المختلفة التي يفرضها السياق المتعدد، وكذا الحديث عن الفرص الكثيرة التي يمنحها هذا السياق لمغاربة العالم من أجل تطوير معارفهم وتنظيم حياتهم والتعبير عن مواهبهم وإبداعاتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الجاليات المغربية، عَبْرَ العالم، قد اضطلعت بدور مهم في الإسهام في تنمية المجتمعات المتعددة التي تقيم فيها؛ سواء من الناحية الثقافية الفنية، أو من الناحية الاجتماعية والسياسية.

فلقد جلبت موجات الهجرة المغربية لأوروبا وأمريكا كفاءات في مختلف المجالات، كما كان لها أثر اقتصادي مهم على دول الاستقبال.

ولا يتوقف الأمر عند المهاجرين ذوي المؤهلات العالية، فحتى هجرة العمال شكلت مكسبا مهما بالنسبة للعديد من البلدان الأوروبية.

ومن ناحية أخرى، استفادت الهجرة المغربية من التنوع والتعدد الذي تعرفه العديد من بلدان الهجرة، والتي عملت على توسيع نطاق التعدد ليطال مجالات الحياة المختلفة؛ فوجدت الجاليات المغربية المجال مناسبا للتألق ولتطوير مشاريعها سواء العلمية أو غيرها.

لكن نِعمة العيش في مجتمعات متعددة، وما لها من آثار إيجابية سواء على الجاليات المغربية أو على بلدان الإقامة، تعترضها جملة من التحديات التي قد تكرس الانقسام الثقافي والمجتمعي داخل البلد الواحد؛ ولعل من أبرز هذه التحديات بروزَ أفكار وتوجهات متطرفة بمرجعيات مختلفة، وتنامي الفكر العنصري والإسلاموفوبيا والانغلاق على الذات… وكلّها ظواهر تُعطّل المزايا والمفاعيل الإيجابية للعيش في مجتمع متعدد، مما يضع مغاربة العالم أمام تحدي ومسؤولية الإسهام في إرساء الجسور والتفكير في السبل الناجعة للحفاظ على مختلف أوجه التنوع والتعدد التي تعرفها المجتمعات التي يعيشون فيها، والتي من شأنها -أي هذه السبل-تحقيق المزيد من التقارب بين المجتمعات المتعددة، وبحيث يصبح التنوع الديني والثقافي واللغوي مصدرا مهما وحقيقيا للحوار والتفاهم وبناء السلم المجتمعي الداخلي.

وسيحتضن رواق المجلس مجموعة من الموائد المستديرة وعروض الكتب والأنشطة الثقافية، والتي ستحاول عبر مشاركة باحثين وأدباء ومثقفين وكتاب من مغاربة العالم، تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه العيشَ في مجتمعات متعددة، وكذا ما تمنحها هذه الأخيرة من إمكانات وفرص هائلة للتألق اجتماعيا وثقافيا وفنيا وسياسيا، في تناغم وانسجام وتكامل بين قيم المجتمع المتعدد وقيم وروح الثقافة الأصلية.