الدكتور عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج.

 

ونحن نحتفل بالـذكـرى الثـانية والأربعين للـمسيرة الخضـراء لاسترجاع الأقـاليم الـصحراوية المغربية من الحمايـة الاسبانيـة، نستحضر التضحيات الجسـام للمغرب، ونستحضر إصرار أعـداء الـوحدة الـوطنية على سلبنا حقنـا وإصرارنا نحن على استرجاعـه والـدفاع عـنه بكل الـوسائـل، وتــدرج هـذه الـوسائل بين المسلحة والديبلوماسية والتفاوضية والديبلوماسية الموازية وغيرها… كما نستحضر نضالات مغاربة العالم ودفاعهم وتـرافعهم على القضية الوطنية في مختلف الساحات الأوروبية وأمـام مقرات المؤسسات الحكومية والأوروبية والعالمية.

 

لكـن الجديـد في احتفـال هذه الـسنة (نوفمبر 2017)، هــو أن الاحتفال يـأتي بعـد فـشل محاولتيْـن عالـميتيْن للانفصال عـن الـوطن الأم، ونعني بهما كلا من استفتاء أكــراد العراق في 25 سبتمبر وكطلونيا في الفاتح من أكتوبر 2017.

 

وإذا كنا قـد تحدثنـا كثيرا عن كطلونيـا، فهو راجع للـقرب الجغرافي وكـذا لقواسم التاريخ والاقتصاد، وكـلنا يعلـم إلى ما انتهت إلـيه الأمــور في كطلونيا، من عـزل بمقتضيات قـانونية ومتابعات قضائية لحكومة بيغمونت أو “تُجـار الـوهـم” وهــروبهم في جُـنح الظـلام إلى بروكسيل طلبا للحماية الـدوليـة، وهي طريقة خاليـة من شجاعـة “الـفرسان”.

 

وفي انتظار قول القضاء الاسباني لكلمته الفصل في كل التهم الموجهة إليهم، فإن تـهـوُر بيغمونت وعدم احترامه لمقتضيات دستور 1978 الاسباني، كـلـف وسيكلف كثيرا كطلـونيا، سواء على المستوى الاقتصادي حيث هروب الاستثمارات إلى جهات أخرى، وكــذا حوالي 1000 شركة بالإضافة إلى كبريات الأبناك الاسبانية، أو على المستوى الاجتماعي حيث تنتظر الطبقة الـوسطى وكــذا المهاجرين ارتــدادات نتائـج عكسية على أوضاعهم وكـذا على المستوى السياسي في تركيبة الأحـزاب والمجتمع المدني… وفي النهايــة استعـادت مـدريـد زمـام الأمــور في انتظار انتخابـات مبكـرة في كـطلونيــا يــوم 21 دجنبر2017.

 

أما استفتاء 25 سبتمبر بكردستان العراق من أجل الاستقلال، فهو يحمل المحاولة رقـم ثمانية في تاريخ الأكـراد، وهو حلــم تحتفظ به “الـذاكرة الجماعية للأكـراد” الـمنتشرين في كل من العراق وإيران وتركيا وسوريا، وهم حوالي 30 إلى 35 مليون كردي.

 

وإذا كانت أسباب كل من مسعود برزاني وبيغمونت تختلف في الـدعوة إلى الاستفتاء الانفصالي، فـقـد عرفت كلاهـمـا تقريبـا ردود الفعل نفسها من المجتمع الدولي الرافض لــدول “ميكـروقوميات”، وكذا لـ”الموت السياسي” ذاته لكل من بيغمونت ومسعود برزاني، هذا الأخير قـدم استقالته من رئاسة منطقة كردستان العراق، والآخــر مطلوب للعدالة الاسبانية.

 

كما عـرفــا الـتكييف القـانوني نفسه، أي “غير دستوري”، سواء في ثنائي مدريـد وبـرشلونة أو بغداد وأربيل. والأخطر هو عــزف كل من مسعود برزاني وكارلوس بيغمونت على أوتــار الـذاكرة الجماعـية، في حين إن الاقـتصاد والـمال والـطموحات السياسيـة الشخصية هي الــدافع وليـس شـيئا آخــر.

 

فقد وقــع إجماع كل العراقيين على دستور 2005 الذي ضمن اقتسام السلط، واعترف بكردستـان كمنطقة ذاتية تتكـون من ثلاث مقاطعات، لها الحق في تكويـن جيش خاص والتصرف في مواردها الطبيعية…

 

بـعد هـذا الـتطور الـسياسي، سيصل إلى كرسي الجمهورية من 2005 إلى 2014 جلال طلباني، وهو كردي، وسيقـود منطقـة كـردستان مسعود برزاني منـذ 2005، وسيتـم التمـديـد لـه بصفة استثنائيـة إلى 2015.

 

وتعـود دوافع استفتاء برزاني في 25 سبتمبر -حسب العديد من المحللين-إلى إتهـام إدارته بالفساد والرشوة والتصرف في عائدات البترول، ووجود معارضة شرسة من داخل كردستان، سواء من طرف الحزب الوطني الكردستاني وزعيمه جلال طلباني الذي توفي بشكل مفاجئ قُبيل الاستفتاء في سبتمبر 2017، وكــذا من طرف حزب كـوران وزعيمه نوشيروان مصطفى؛ وهـو مـا يُـفسر تصويت البرلمان الكردي بقبول استقالة مسعود البرزاني بـ 70 صوتا مقابـل معارضة 30 صوتا فقــط، رغم امتلاك الحزب الديمقراطي الكردستاني (برزاني) للأغلـبية. بـالإضافة إلى أزمة اقتصادية خانقـة، مما جعلـه -حسب المحللين-يتحيـن الـفرصة لـتصدير الأزمة الاقتصادية ولــو على حساب الــذاكرة الجماعية للأكــراد والسيطرة على السلطة، وأيضا لتـقويـة وضعه الـتفاوضي مع بغـداد حـول الـمزيد من الامتيازات، خاصة الاقتصادية، لمنطقة كردستان.

 

حسابات كارلوس بيغمونت، كما حسابات مسعود برزاني، لـم تكـن مضبوطة بميزان الـقـوى الــدولية، ومشاركة جيش البشمركة الكردي إلى جانب الجيش العراقي وأمريكا في حربها على الإرهاب و”داعش” تحـديـدا منـذ سنة 2014، سـواء في الـموصل أو كـركـوك، لــم تشفع لهـا، بـل لـقيت معارضة من أمريكا وكـذا من القوى الكبرى. بالإضافة إلى إجراءات عــزل منطقة كردستان بــرا وجــوا من طرف كل من بغـداد وإيــران وتـركيـا خـوفـا من “الـدومينو” لـتواجـد مـلاييـن الأكــراد في كـل تـلك الـدول.

 

فـبعد استفتـاء 25 سبتمبر، خسـرت كردستان مسعود برزاني حلـفاءها التـقليدييـن، وخسرت مناطـق خـارج تـوافـق حــدود دستــور 2005، وخاصة منطقـة كركـوك الـغنية بـالنفط التي ضمتها أثناء حربها ضد “داعش” 2014، والتي يبلـغ إنتاجهـا اليومي 450 ألـف بـرميل، أما احتياطهـا فيتراوح بين 15 و20 مليار برميل. كما قامت بغــداد بعزل حاكـم كركــوك الـمـوالي لكردستان، وبعـد ثـلاثة أسابيع فقـط دفـع الجيش العراقي بجيش البشمركة إلى داخـل حـدود منطقتـه لسنة 2005.

 

سيخلف مــوت جلال طلباني واستقالة مسعود برزاني بدون شك فـراغا كبيرا، سـواء على المستوى السياسي أو التنظيمي والـتنسيق مع بغــداد، وستشهد كردستان صراعـا حول السلطة بين الحزبين، مما يُـنـدر بسيناريــو ســاخـن.

 

لـم تـستفـد كطلونيا وكردستـان من شطحات سياسية لـزعمائهما التي كلفتهـم غاليــا؛ وذلك بإعلان إفلاسـهم الـسياسي، وخلخلـة أنظمة اجتماعية وسياسية تحتكـم إلى دساتيـر حازت مـوافـقـة شعـوبهــا وترمي إلى الاستقـرار والسلم الاجتماعي.

 

لـذلك ونحن نحتفل هـذه الـسنة (2017) بالمسيرة الخضراء، يجب استحضار دورها في الـوحدة وجمع شمل المغاربة بكل تـعـددهم الـثقافي واللغوي والمكاني. يجب أن نستحضر أن قولــة “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها” لـيست للاستهـلاك الإعـلامي أو لـدغـدغة الـمشاعـر، بل هي صورة لـواقــع يعرف مشاركـة المناطق الصحراوية في مسلسل التنـمية المغربية من خلال الــتقطيع الـترابي ونظـام الجهـة الموسعـة (الجهة 11 و12) ومـن خـلال ممثليهـم في البرلمان المغربي والغرف المهنية والصناعية والنقابات العمالية والجمعيات الحقوقية والمدنية وكـذا الـقنوات الإعلامية والفرق الرياضية، ومن خلال استثمارات بالملايير في القطاع الاقتصادي والاجتماعي والبنية التحتية للأقاليم الصحراوية في كـل مظاهـر الحياة الـمواطنة، مع مـا يـطبع كل هـذا مـن صعوبات وتـدافــع سياسي وفـكـري واجتماعي لا يـقفـز على مقـدسات الـمملكة.

 

وأخيـرا يجب أن نستحضر قـولـة إن “مبادرة الحكم الـذاتي هو آخـر ما يُـمكن أن يـقـدمـه المغرب”، وهو قـول لا يـعني تعنتــا ولا تعصبا ولا حتى بخل المغرب عن أبـنائه، بـل هـو يعني أن نظام “الحكم الـذاتي” هو آخـر ما وصل إليه الـفكـر السياسي والـديمقراطيات العالميــة في مـوضوع الـتـدبير الترابــي؛ لـذلك فشلت محاولات كل من كارلوس بيغمونت في كطلونيا ومسعود برزاني في كردستان العراق، لأن نظام الحكم الذاتي هو السقف الذي يضمن من جهة خصوصيات المناطق، ومن جهة أخرى احتـرام السيـادة الوطنية والترابية.