شهدت مدينة فرانكفورت الألمانية مساء يوم الثلاثاء 26 شتنبر 2017 لقاء لتقديم حصيلة مشروع التكوين والتأهيل اللغوي والثقافي للأئمة المغاربة في ولاية هيسن الألمانية (2015 -2017)، الذي أطلق بشراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج والمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة ومعهد غوته الألماني، واستفاد منه أزيد من 40 إماما معظمهم مغاربة يمارسون في مجموعة من المدن التابعة لولاية إيسن الألمانية.

 

في كلمة له لهما بالمناسبة تحدثا المسؤولان عن المشروع عن معهد غوته، سبستيان جونا وعبد الصمد اليزيدي، عن فكرة المشروع الذي انطلق من سؤال يتكرر باستمرار حول دور الأئمة في السياق الأوروبي، وما توجه لهم من سهام المسؤولية في فشل اندماج بعض المسلمين في هاته المجتمعات من دون التفكير في الكيفية التي يمكن من خلالها دعم هذا الإمام فيما يجب أن يكون عليه.

ولم يخفي المسؤولان عن المشروع في الطرف الألماني تخوفاتهما في البداية من عدم استجابة الأئمة، « لكن هذا الحضور والمشاركة في المشروع لمدة سنتين اضهرتا الهمة العالية والاجتهاد والتفاني الذي يطلع به الإمام وخصوصا الإمام المغربي في ألمانيا، يضيف المتحدثان.

قنصل المغرب في فرانكفورت محمد أشغالو الذي ألقى كلمة بهذه المناسبة نيابة عن السفير المغربي في برلين، نوه بهذه المبادرة التي ساهمت في فتح آفاق جديدة للأئمة من أجل الحوار والنقاش الإيجابي البناء عبر التمكن من أليات جديدة التواصل والمعرفة، لأن التمكن من اللغة الألمانية بحسب القنصل العام « أمر مهم بالنسبة لأي إمام من اجل إيصال مبادئ الإسلام الاصيل والدين السمح الوسطي خصوصا إلى فئتي الشباب والنساء وتمكينهم من تربية منفتحة تستمد اسسها من مرجعية دينية ومن القيم الكونية ».

واعتبر القنصل العام أن أهمية المشروع تكمن أيضا في تمكين الأئمة المشاركين من التنظيم الأمثل للممارسات الدينية مع الحياة الدنيوية وتأطيرهما معا بما ينسجم مع المبادء المشتركة بين الحضارات والديانات؛ كما استحضر محمد أشغالو في نفس السياق مضامين الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب لسنة 2016 حيث حث أمير المؤمنين المواطنين المغاربة المقيمين خارج البلاد ليكوناو في طليعة المدافعين عن الأمن والسلام في بلدان إقامتهم، والوقوف في صف واحد لمواجهة التطرف والانغلاق.

 

بوصوف: مشروع استباقي قابل للتعميم في دول أخرى:

 

من جهته وضع الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج في مستهل كلمته بهذه المناسبة، المشروع في سياقه الجيو-سياسي والمجتمعي، حيث يأتي هذا اللقاء الختامي لمشروع التأهيل اللغوي والثقافي للأئمة في ظروف « مقلقة » تتزامن مع الانتخابات الألمانية الأخيرة التي عرفت بروز اليمين المتطرف في البرلمان الألماني بأطروحاته الرافضة للهجرة والاندماج، وأيضا أسابيع قليلة بعد هجوم برشلونة الإرهابي الذي شارك فيه أحد المدعين للإمامة وما طرحه ذلك من نقاش حول دور الإمام في التأطير الديني في المجتمعات الغربية.

 

وقال بوصوف إن حرص الأئمة على المشاركة في المشروع ومواضبتهم على حصصه وراشته طيلة سنتين، دليل على رغبتهم في التواصل مع المجتمع وفي الحصول على أدوات محاورة المجتمع والانخراط في حوار إيجابي معه وفهم إشكالياته، وأيضا « تاطير الشباب التاطير السليم الذي يقدم الإسلام الحقيقي الداعي إلى التعايش وإلى السلم وإلى ازدهار بلد الإقامة والبلد الأصلي».

 

 

ولم تفت الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج فرصة التنويه بالدور الذي يقوم به المغرب في التأطير الديني والذي يجسده مثل هذا المشروع «الذي لم يأتي كرد فعل على العمليات الإرهابية ولكنه برنامج استباقي واستشرافي، يبرز إحساس الدولة المغربية بضرورة تأهيل الإمام، وتزويده لى جانب معارفه الشخصية، بالأدوات العلمية والخلفيات الاجتماعية والإنسانية والفلسفية للمجتمع الذي يعيش فيه »؛ ودعا في نفس الوقت الأئمة المشاركين إلى التواصل مع المجتمع والإجابة على الأسئلة العالقة ومحاصرة التطرف الذي يريد أن ينسب إلى الدين ما ليس منه.

 

 

كما عبر الدكتور عبد الله بوصوف عن رغبة المجلس في أن يكون هذا المشروع التجريبي الأول من نوعه في أوروبا، بداية لمشاريع أخرى سواء من ناحية تعميم هذا النموذج في مختلف التراب الألماني أو تمديده ليشمل دول أوروبية أخرى « لأننا نريد أن يقوم الإمام بالادوار المنوطة به في تناسق مع المجتمع، لاعتقادنا بانه لا تنافر بين الإسلام وبين قيم المجتمعات الغربية التي يتواجد فيها » يخلص بوصوف.

 

حاجي: الإمام مطالب بالتقاط ثقافة عصره وتجديد مقاييسه:

 

في نفس السياق تحدث الدكتور خالد حجي، الأمين العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، عن التحديات التي يعيشها المسلمون في أوروبا التي تعيش بدورها أزمة هوية، مما يفرض الوعي بالدور الذي ستطلع به الجالية المسلمة في بناء أوروبا الغد؛ ومن بين التحديات المطروحة، بحسب خالد حاجي، كيفية الارتقاء بالإمام إلى المكانة الاعتبارية التي يتميز بها رجال الدين في أوروبا حتى يصير في مصاف رجال الدين في الديانات الأخرى.

من هذا المنطلق فإن اللغة وفق منظور الدكتور حاجي، جسر ضروري للتمكن من مفاصل الثقافة الألمانية للتفاعل مع المجتمع وتقديم النصح له بكافة أطيافه، أمام الأسئلة الوجودية المطروحة حوله، والمسؤوليات الأخلاقية التي يفرضها تسارع وثيرة الحياة على رجال الدين من أجل الارتقاء بالتجربة الانسانية في تفاعل مع طبيعة العصر، على اعتبرا أن الامام مطالب بالتقاط ثقافة عصره وتجديد مقاييسه والاستنباط من الثقافات الأخرى تماما كما فعل العلماء من قبل للرقي بالمسلمين.

وأشار الأمين العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة إلى أن اللغة في حد ذاتها لا تكفي، والأهم في تصوره هي الاستفادة من المنظومة الدينية والأخلاقيةالتي ننهل منها « وهي منظومة متسمة بالوسطية والتسامح والتعامل مع الغير واحترام الاختلاف، وهو ما يتماشى مع البيئة الأوروبية التي تقتضي الانفتاح على جميع مكونات المجتمع » يضيف.وقد عرف هذا اللقاء تسليم شهادات تقديرية للمشاركين في مشروع « التأهيل الثقافي للأئمة» بحضور الأئمة المشاركين وعدد من الفاعلين الجمعويين المغاربة في ألمانيا وممثلين عن معهد غوته في ألمانيا.