في أجواء رمضانية وبكثير من التأثر والإعجاب بمسيرة الفنانة الفوتوغرافية المغربية الفرنسية ليلى العلوي، التي اغتالتها أيادي الإرهاب قبل سنة ونيف من اليوم وهي في مهمة إنسانية بالعاصمة البوركينابية واغادوغو، افتتح بممشى محج الرياض بالرباط المعرض الفني “على خطى ليلى العلوي” الذي ينظمه مجلس الجالية المغربية بالخارج بشراكة مع مؤسسة ليلى العلوي من 8 إلى 30 يونيو 2017، وبتنسيق مع مجلس مقاطعة الرباط حسان.

 

حشد من أصدقاء الفنانة وعائلتها يتقدمهم والد الراحلة، عزيز العلوي، حضر الافتتاح الرسمي لهذا المعرض الذي يعطي فكرة مقتضبة عن حياة الفنانة الفوتوغرافية من خلال صورها. صور اختلفت شخوصها وملامحهم وأيضا الأماكن التي التقطت فيها وزاوية النظر، لكنها تلتقي في البعد الإنساني بتفاصيله المملة البادية بين تجاعيد وجوه شخوص ليلى العلوي، والتي تظهر ذاتية من التقطت صورهم.

 

فبين مجموعة من سلسلة البورتريهات الفتوغرافية المعنونة بـ”مغاربة” الذي أرادت من خلالها توثيق بعض العادات والعوالم التقليدية قبل ان تندثر بفعل العولة، متنقلة بين مدن ومداشر المملكة، وبين ملامح أطفال الهوامش وكذا الشباب الحالم بمستقبل أفضل عبر الهجرة بطريقة غير قانونية غير عابئ بإغلاق الحدود في وجهه ووضع الأسلاك الشائكة، تنجلي أصوات هؤلاء الموجودين على الهامش.

 

شهادات مؤثرة تكريما لليلى العلوي:

 

هذا الجانب الإنساني بالضبط هو ما ركزت عليه الكلمات التكريمية التي عرفها افتتاح هذا المعرض، بداية بكلمة الدكتورة بديعة بناني رئيسة مجلس مقاطعة أكدال الرياض التي اعتبرت ليلى العلوي صاحبة قضية إنسانية وحقوقية جابت مجمل المدن المغربية والدول الافريقية واسلمت روحها من أجل الدفاع هذه القضية الإنسانية في مهمة لمنظمة دولية، مبرزة شكر مجلس المقاطعة لاختيار مكان احتضان هذا المعرض التكريمي لروح ليلى العلوي.

 

في نفس السياق يوسف حجي منسق هذا المعرض والمكلف بمهمة في مجلس الجالية المغربية بالخارج، وبعد أن أثنى على أخلاق الفقيدة وأعمالها التي بلغت العالمية، أكد على أن هذا المعرض سيطمح إلى تقفي أثار ليلى العلوي التي مشت بحثا عن الفئات المهمشة، من خلال الانتقال من الرباط إلى ميناء طنجة المتوسط، على أن تعود الصور التي التقطتها ليلى العلوي إلى الأماكن التي التقطتها فيها.

 

ومن بين الكلمات المؤثر خلال هذا اللقاء تلك التي ألقاها المهاجر والنقابي والفاعل الثقافي السابق في فرنسا مصطفى إدبيهي باسم مؤسسة ليلى العلوي. مصطفى إدبيهي أبى إلا أن يستعيد آخر ذكرياته مع الفقيدة عندما اتصلت به من أجل تنظيم لقاء مع العمال السابقين لمصنع رونو الفرنسية وكذا العمال المغاربة من شركة الفرنسية للسكك الحديدية، من أجل إنجاز شريط وثائقي يعرض معاناة هؤلاء العمال المتقاعدين والتمييز الذي لحقهم في الحقوق الاجتماعية وظروف حياتهم المزرية عد أن وصلوا سنا متقدمة؛ إلا أن أيادي الإرهاب خطفت ليلى العلوي قبل ان تكمل إنجاز هذا الشريط، الذي من المرتقب أن يرى النور في المستقبل القريب.

 

كما شدد إدبيهي على انخراط ليلى العلوي منذ الوهلة الأولى في الدفاع عن حقوق الضعفاء والتركيز على الطبقات المهمشة ومشاكلها، من خلال رصيد يزيد على ستة ألاف صورة، وأيضا التزاما نضاليا لفائدة المهاجرين، بحيث أنها كانت اول من أسس جمعية للمهاجرين الأفارقة بالمغرب “بلادي بلادك” وأحد أشرطتها الوثائقية ركز على قيم مناهضة العنصرية والعيش المشترك.

 

بوصوف: الهجرة المغربية دفعت ثمنا باهضا في معركة العيش المشترك.

 

إبراز هذه القيم إضافة إلى التأكيد على مناهضة الإرهاب ورفض العنف والكراهية هي الدوافع التي جعلت مجلس الجالية المغربية بالخارج يختار شهر رمضان المبارك من أجل عرض أعمال الفنانة الراحلة، يقول عبد الله بوصوف الأمين العالم لمجلس الجالية المغربية بالخارج، واصفا ليلى العلوي بشهيدة الهجرة المغربية.

 

“المعرض مناسبة للترحم على روح شهيدة الهجرة المغربية ليلى العلوي وباقي شهداء الهجرة الذين سقطوا بسبب الأعمال الإرهابية في باريس ونيس وبروكسيل وكندا… ولنقول إن الهجرة المغربية دفعت ثمنا باهظا في المعركة المستمرة من أجل العيش المشترك والتسامح وقبول الأخر” يقول عبد الله بوصوف، مبرزا في نفس الوقت أن تنظيم هذا المعرض في الهواء الطلق يوصل رسالة مفادها التشبث بالحياة ومواجهة الإرهاب وعدم الخضوع للخوف.

 

وعن مواضيع اشتغال الفنانة الفوتوغرافية الراحلة، فقد أبرز بوصوف بأن ليلى العلوي اشتغلت على مواضيع تشكل قضايا الساعة في العالم الراهن وهي في صلب النقاشات الكونية في جهات العالم الأربع مثل مواضيع الهجرة والتثاقف وحرية التنقل والهويات التي إن لم تتم حمايتها فإنها تتحول إلى هويات قاتلة؛ داعيا إلى جعل تنوع الهويات يساهم في بناء عالم واحد يسود فيه العيش المشترك، ومواصلة الدفاع عن حقوق الفئات الهشة خصوصا المهاجرين.

 

كما عبر بوصوف على ضرورة التمسك بمعارك ليلى العلوي والإصرار على مقاومة كل أشكال العنف والإرهاب التي لا تمت بصلة إلى الدين الإسلامي، ومرتكبيها لا مكان لهم بين المسلمين كما قال صاحب الجلالة في خطاب 20 غشت الماضي.

 

ويضم هذا المعرض الذي يحتضنه ممشى محج الرياض بالرباط، أزيد من 40 صورة ونصا للفنانة الراحلة ليلى العلوي، تستحضر في كل من طنجة وجنيف وداكار وباريس وميلانو وتورونتو وبيروت مادة أساسية من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خاصة المرتبطة منها بحق الإنسان في التنقل واختيار مكان إقامته.