كان هذا هو نص التصريح الصحافي الذي خص به الايطالي السياسي المحنك جوليانو اندريوني الذي وافته المنية منتصف سنة 2013 عن سن يناهز 94 سنة , وقد جاء هذا التصريح اٍبان زيارة وفد ايطالي الى الاقاليم الجنوبية المغربية سنوات خلت .

سوف نحاول في هذا المقال أن نعري على بعض النقط التي لم يليها المغرب أهمية كبرى بخصوص ملف الصحراء المغربية التي تم استرجاعها من دولة اسبانيا سنة 1975 .كما سوف نقف على محاسن ما قام به المغرب في هذا الملف الكبير .

قضية الصحراء هي قضية الوحدة الوطنية ,قضية عادلة بالنسبة للمغرب , لكن وجود مناوئين يتطلب تكثيف الجهود ويتطلب عملا  طويلا بوسائل ناجعة ومتقدمة ,وخطاب مرن وخطط واضحة ورجال لديهم غيرة وطنية وحماس , يتمتعون بكفاءات ثقافية في مستوى الدفاع والمرافعة ويمتازون بقدرة عالية على الاقناع والتفاوض والتصدي والابداع  .

الاعلام المغربي لم  يوظف مسألة التعريف بجبهة البوليزريو ,وهو الامر الذي أدى الى ترسبات أدت الى مغالطات كانت ولازالت السبب في  تكوين ثقافة مغلوطة لدى العامة تنم عن عدم  الالمام بمجريات الامور , فجبهة البوليزاريو أسسها مغاربة صحراويون كيفما  كانت الاحوال والظروف , ويمكن تصنيفها في خانة المعارضة التي تنادي بالاستقلال الذاتي في الاراضي التي استرجعها المغرب من اسبانيا سنة 1975 , وبما أن المعارضة هي نتيجة مبادئ سياسية وتداول أفكار نابعة من ايدلوجية  معينة , فاٍن التصدي لها يجب أن يكون من نفس  الطينة.

الجنود المغاربة الذين كانوا في الصفوف الامامية , والذين تم أسرهم لما يزيد عن 25 سنة , عندما تم اٍطلاق سراحهم , لم تتم معالجة وضعيتهم بما يليق وما قدموه من تضحيات جليلة في الدفاع عن حوزة الوطن , وهو الامر الذي دفعهم غير ما مرة الى التظاهر امام البرلمان المغربي لشهور عدة , مما يفضي الى التفكير أن الدولة تتعامل مع القضية بمعيارين لنفس العامل البشري الذي يشكل النواة الاولى في الدفاع عن المقدسات الوطنية وثوابثها .

المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف لم يتم التطرق الى مشاكلهم , كما أن الاعلام لم يسلط الضوء الكافي للتعريف بهم , خاصة الحصار المضروب عليهم من كل الجهات وعدم السماح لهم بحرية التنقل علاوة على العلاقة التاريخية القائمة مع سكان الاقاليم المسترجعة .

بعض الموظفيين في المؤسسات المغربية لا يرفعون الى المراكز العليا تقارير ذات مصداقية عالية , حيث يتم التستر على كثير من الاشياء , ومنها عدم القيام بالواجب الوطني  لدى بعض المسؤولين الدبلوماسيين تجاه الانشطة المزاولة من طرف المجتمع المدني خاصة التي تقام خارج الوطن , كما أن هناك جمعيات وهمية في الداخل والخارج تستحوذ على منح من الدولة لتنفرد بالعمل الجمعوي الخاص بموضوع الصحراء المغربية , وهو الامر الذي يفوت المناسبة على جمعيات أخرى لها عزيمة كبيرة ومصداقية عالية وغيرة وطنية متجدرة . اٍنه الواقع المر الذي يدفع بهذه الطريقة الى انتداب محام فاشل لقضية عادلة كما قال السيد جوليانو اندريوني .

فالوزراء في الحكومات المغربية المتتالية  حينما يعقدون اجتماعا مع المواطنين المغاربة في الخارج , تجري الامور في تستر تام لكي لا يحضر الى اللقاء اٍلا نخبة مختارة بعناية , ليسود الاعتقاد أن الاجتماع مر في اجواء سليمة وناجحة ,  لكن, لدى المواطنيين المغاربة خاصة  القاطنين بالخارج , أراء وأفكار واقتراحات وشجاعة في التصدي لجميع ما يمس المغرب من قريب أو بعيد , يكادون  ينفجرون غضبا من جراء الاقصاء , لآنهم يأملون  بكل بساطة في ملاقاة الوزير , كما دأبت وجرت العادة في الدول التي يقطنون بها , حيث باب التواصل مفتوح أمام الجميع وبدون استثناء .

 

وهناك موضوع توظيف الصحراويون  في المراكز  العليا خاصة الذين فضلوا  الانسحاب من الجبهة والرجوع الى أرض الوطن , حيث يوجد منهم من ارتكب جرائم انسانية في حق الجنود المغاربة والاسرى في مخيمات تندوف بالامس القريب , وعند دخوله  الى أرض الوطن أصبح حاكما على اٍقليم  بأكمله يحتكم لديه المواطنون ,وهو سلوك غير سليم يؤثر على ثوابث المكتسبات و المقدسات الوطنية في أعين المواطنين , ويشحن الذاكرة الجماعية بعدم الرضى على مجريات الامور,وهي مبادرات كانت بنيات حسنة و بدون تعمد,  تحيل على تكريس عكس ثقافة حقوق الإنسان , بل وتفضي الى خرق مفهوم القانون الدولي الجنائي المتعلق بالعقاب على الجرائم الدولية.

وأخيرا هناك قصور في التصور حول التنمية الجهوية التي كلما كانت متطورة وفعالة ,اٍلا و استقطبت شركات وعملت على انعاش الاقتصاد  المحلي , وبالتالي تحولت الى قبلة لفئات من الشباب من ابناء الاقاليم المجاورة حتى يقع انصهار واندماج في التشكيلة التسكانية على المدى البعيد . وربما هذا هو ما ينقص هذه القضية التي استأثرت بقسط وافر من ميزانية الدولة , بعبارة صريحة يجب التخطيط  لانشاء قطب اقتصادي في احدى المدن الصحراوية لخلق توازن في التركيبة البشرية , لان التكاثر هو الحل مادام المشكل في القوة الشعبية وليس في قوة الامن .

 مجموعة من النقط لها جانب سلبي وجانب ايجابي , ولا يمكن فصل ماهو حسن عن ماهو سيئ نظرا للعلاقة الجدلية التي تجمع الاثنين .

كان المغرب  ذكيا بتسويق عملية الحكم الذاتي والتي لاقت اقبالا كبيرا في الاوساط السياسية الدولية ,اٍلا أن  هذه النقطة  لازالت متذبذبة نظرا لقلة الضغوطات على تحرير الساكنة الصحراوية المحتجزة في مخيمات تندوف والتي لولاها  لم يكن يحصل أي شيئ . وهو ما يعني ايضا اللجوء الى الهجوم السياسي والاعلامي  عوض الاكتفاء بعمليات الدفاع .

أما عن النقط الايجابية التي ربحها المغرب , فتأتي في المقدمة المحكمة الدولية العليا بلاهي التي اعطت لقضية الصحراء المسترجعة الشرعية الدولية للمغرب بصفة نهائية لا رجعة فيها منذ زمن بعيد .

خلال حوالي 38 سنة استثمر المغرب أموالا طائلة في تشييد البنيات التحتية بالمناطق الجنوبية التي كانت شبه منعدمة , كما تحسنت ظروف عيش الساكنة مقارنة مع ساكنة المخيمات الواقعة على أراضي  تندوف الجزائرية بشكل كبير  بما لا يدع مجالا للمقارنة .

من ناحية الاستقرار والامن , ترفرف راية المغرب في جميع الاراضي المسترجعة الصحراوية , وهي نقطة في غاية الاهمية , خاصة أن الصحراويين المنشقين فكريا لا يفوق عددهم الصحراويين المواليين الذين يعيشون داخل المغرب , زيادة على أن الانفصاليين يعيشون فوق أراض تابعة لدولة مجاورة – الجزائر – , وهي العقبة التي لا ترقى بهم الى تأسيس دولة ذات سيادة .

النقطة الاخيرة وهي حساسة  رغم غياب الارقام في هذا الباب وتتعلق برجوع بعض القيادات من الجبهة الى أرض الوطن وكذالك من عامة الناس, اٍما هربا , أو خلسة , أو عن طريق السلك الدبلوماسي المغربي , وليس العكس . رغم بلوغ بعض الفعاليات المعارضة الى شهرة عالمية , من أمثال السيدة أمينة حيدار والتي هي مغربية قبل كل شيئ  , مولدا , ومنشأ , والتي تنتهز بعض الجمعيات والمؤسسات الدولية مؤازرتها لغرض في نفس يعقوب , علاوة على الجري وراء  ظهورها في وسائل الاعلام  المعاكسة حتى تتكرس صورتها كمثل يحتذى به في نفسية الشباب الصحراوي .

الامورواضحة , هناك بعض الدول تحاول عن طريق المجتمع المدني أن تخلق مشاكل في المناطق التي تريد الوصول اليها بالاستناد على رافعة  حقوق الانسان وتقرير المصير وما شابه ذالك خاصة عندما تجد من يساير ويسير في نهجها وسياستها .

انطلاقا من هذه المعطيات نقترح نحن في الرابطة الدولية للاعلاميين المغاربة أن يكون هناك مخطط وسياسة معتمدة للدفاع والتصدي لاعداء الوحدة الترابية .

وقبل الدخول في التفاصيل , لابد أن نجزء كل شيئ بالتدقيق حتى نعرف السبل الناجعة للتصدي الفعلي الممنهج , لآن رفع شعارات : الصحراء مغربية وستبقى مغربية , لم تعد تجدي كثيرا, مقارنة مع الواقع المعاش في الاقاليم الصحراوية , كما ان المحاضرات والاجتماعات والمظاهرات والتنديد وما شابه ذالك في الاسلوب لم يعد يتماشى ولن يجنى من ورائه طائل ملموس , ولن ينفع في  مواجهة طرق عمل المنشقيين فكريا عن فكرة الوحدة الترابية .

اٍذن ماهي الطرق التي يستعملها المنشقيين والمواليين لجبهة البوليزاريو ؟

رفع الاعلام للدولة المزعومة – البوليزاريو – فوق البنايات , خاصة المؤسسات المغربية .

اٍضرام النار في العجلات المطاطية وسط الطرقات عند العصيان المدني .

المنادات بحرية الرأي والتظاهر , وعدم الامتثال لقانون السير العام , مع المطالبة الدائمة بتطبيق حقوق الانسان .

عقد اجتماعات في الخارج لشرح المطالبة بالاستقلال الذاتي , عوض التبعية للمغرب .

الغالبية منهم تحمل الجواز المغربي والبطاقة الوطنية  , وفي بعض الحالات جواز سفر اسباني .

بدون استثناء يتلقى الطلبة الصحراويون منح للدراسات الجامعية من دولة المغرب  .

كثير من الموظفين الصحراويين يتغيبون عن العمل بدون شواهد طبية وبدون سابق اعلام .

الحاصلين منهم على الشواهد يتم توظيفهم بدون امتحان .

يلجؤون الى استعمال اللهجة الحسانية عند الشدة , خاصة مع رجال الشرطة ورجال الامن , رغم أنهم يتقنون اللهجة المغربية .

لازال التفكير الفطري هو الذي يسيطر على أعمال المناوئين لجبهة البوليزاريو .

يتحرك المغاربة الصحراويون داخل المغرب بدون غضاضة , ويفصحون عن انتمائهم أينما حلوا , ويربطون صداقات مع مغاربة الداخل والخارج بدون تقمص , أو خوف .

يتبين من خلال هذه السلوكات أن الهدف المتوخى من جميع هذه الحلات هو التشويش السياسي بغطاء المطالبة بالاستقلال . وهو ما يمكن وصفه  ب – تهديدات أمنية تقليدية – من درجة الطبيعية العادية .

قبل الدخول في اعطاء الاقتراحات , نود أن نستعرض ولو بعجالة  الاساليب التي ينجهها العمل الجمعوي بخصوص الدفاع عن الصحراء المغربية .

مظاهرات جماهرية خاصة في الخارج , أما داخل المغرب فهناك  اٍهمال كبير, وبخصوص المظاهرات التي أتت أكلها , يسجل التاريخ تلك التي قادها المغاربة المقيمون بالخارج في كبريات العواصم العالمية والتي اتت أكلها باٍطلاق المجموعة الاخيرة من أسرى الجنود المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف .

هناك بعض الانشطة من طرف بعض الجمعيات  خارج الوطن, وهي قليلة ولا ترقى الى مستوى الاعلام . وذالك راجع بالفعل الى عاملين اٍثنين , الاول لقلة الكفاءات في الجمعيات , والثاني للسلك الدبلوماسي بالخارج الذي لا يتحرك في الوقت المناسب .

ظلت شعارات : الصحراء مغربية وستبقى مغربيىة , هي السمة الغالبة على عقول المدافعين والغيورين على الوحدة الوطنية .

في السنوات الاخيرة ومع ظهور المواقع الاجتماعية , ظهرت أقلام مغربية  وجمعيات اعلامية على الصعيد الدولي والوطني , تقاوم وتتصدى وتطرح اشكالية الصحراء المغربية بأساليب عصرية وملائمة .

الحلول والبدائل :

البديل أو الحل في نظرنا كمرصد , نحن في الرابطة الدولية للاعلاميين المغاربة , نقترح أن تكون هناك طفرة متوازنة  وموازية على مستوى التنمية بين بناء الدفاع الوطني والبناء الاقتصادي , وبعبارة أخرى يجب العمل على الدفاع والحفاظ على المكتسبات الوطنية بجميع الوسائل المتاحة , وفي نفس الوقت وبنفس القوة  وربما أكثرفي المساهمة في البناء الاقتصادي بخلق بنيات ملائمة لقطب اقتصادي جنوبي يربط المغرب بدول الساحل .

مساحة الصحراء المغربية تفوق ثلث مساحة المغرب , وجلها أراضي منبطحة تلامس البحروتلامس الصحراء وهي نقطة وصل بين المغرب وبلدان الساحل الافريقي , ونظرا للعلاقة التجارية والاستراتيجية والاجتماعية التي تجمع المغرب بالدول الافريقية فانه من الاجدر ان يتم التخطيط لكي تصبح احدى مدن الصحراء قطب اقتصادي على شاكلة الدار البيضاء وطنجة , وهو مشروع ليس بعزيز , خاصة اٍذا تضافرت الجهود والنيات .

نعم , هناك تأخر ملحوض في مواكبة الحلول الاستراتيجية للمواقف السياسية الانية ,  الا أن الامال لازلت معقودة على هذا الطرح , الذي لا بديل له ولا قرين  , بغاية الوصول الى نتائج ايجابية سريعة ومطمأنة وعادية , انطلاقا من التكاثر الذي يمكن أن يغير مجرى جميع الاحداث , خاصة المناوئين لجبهة البوليزاريو بحكم النسبة العامة للساكنة الجديدة في ظل التعمير المواكب للطفرة الاقتصادية الجديدة , وهو الامر الذي يضع الامور في مأمن اجتماعي وسوسيو ثقافي , ليس لملئ الفراغ فحسب , بل لاكتساح الفضاء , والانتقال الى منطق الاغلبية الساحقة .

المشروع رهين بالانطلاقة الاولى , لآن النتائج الاولية التي من المتوقعة من المشروع سوف تبهر الجميع, و تقلب عدد من الحسابات التي ظلت عالقة لسنوات كثيرة .

بعبارة أخرى يجب الانتقال بالقضية من مرتبة نزاع الى درجة اٍبداع , نعم اٍبداع تنموي , شامل وكامل , قطبي ومحوري يربط الصحراء المغربية ببلدان الساحل الافريقي من الجنوب ومن الشمال بعدد من المدن المغربية, وبهذا العمل سوف تتبدد فكرة الاستفتاء في عقلية الجميع بدون استثناء . كما سوف لن يعود مجال للكلام على منظومة حقوق الانسان , وبفعل الحركية الجديدة سوف تظهر مواضيع من نوع جديد تتمثل في غزو واكتساح الطبقة العاملة من بلدان الساحل الافريقي سوق العمل بالمنطقة , وهو ما يفضي الى تجاوز جميع المقاربات الماضية .

ولعل ما يعزز هذا الطرح هو المثل القائل : الانسان ابن بيئته , وهنا لابد ان نتوقف بعض الشيئ للحديث عن مغاربة العالم , الذين هجروا المغرب لاسباب مختلفة ليستقروا بدول اروبية تتمتع بحضارة وقيم وأنظمة ديمقراطية ورواج اقتصادي وتجاري وثقافي و…

هؤلاء المغاربة مع مرور الوقت اكتسبوا  ثقافة جديدة وأساليب مغايرة لما كانوا يعتقدون وارتفع لديهم الحس  الحضاري والفني, وتكون لديهم منطق التفكير والتعامل مع الاشياء بموجب الواقع.

الغرض من هذا المثل هو أن الانسان اذا تغيرت البيئة التي يعيش فيها, تغيرت أيضا اساليب عمله وتفكيره ومعاملته , ولهذا  نؤيد هذا المنحى الذي يتجلى في الاعتناء بالبنيات الاقتصادية في الصحراء المغربية , ويمكن أن نسرد مثال ألمانيا الغربية و الشرقية التي التحمتا بعد تقسيم سياسي لم يدم طويلا , والسبب هو فرص العمل وكرامة الانسان التي كانت متاحة بالجهة الغربية أكثر بكثير من ألمانيا الشرقية .