الدكتور عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج.

 

يـهتم العـالـم بتفـاصيل وبمآل الرئاسيات الـفرنسية لعام 2017 لكـونها جولة في معركة كبيرة بيـن العنصرية والتطرف وزرع الخوف والكراهية من جهة، ونشر التعايش والسلام من جهـة ثانية. وهي معركة لا تقتصر فقط على فرنسا، بل عـرفت أكثـر من مواجهة واتخذت أكثر من ساحة سياسيـة، من أمريكا وبريطانيا ثم هـولندا واليـوم فرنسا وغـدا ألمانيا وغيرها…

 

كما أنها معركة جسدت تباينا بين الحقيقة العددية، أي الحسابية والحقيقة السياسية؛ فانتخابات هولندا، مثلا، التي أجريت في 15 مارس الماضي أسفرت عـن حقيقـة أولـى ريـاضية، وهي تـمدد الـيمين المتطرف داخل المجتمع الهولندي، ويـتجلى ذلك في ارتفاع عـدد مقاعد اليمين المتطرف في البرلمان الهولندي، وحـقيقـة ثـانية سيـاسيـة، وهي فــوز تحالف اليمين بالانتخابات.

 

وبالمقاربة نفسها يمكننا الجزم أيضا بأن تشبيه الدور الثاني لرئاسيات فرنسا لسنة 2017 بمثيله لسنة 2002 بين مرشح حزب التجمع من أجل الجمهورية (حزب الجمهوريين حاليا) جاك شيراك، ومرشح الجبهة الوطنية جون ماري لوبن، هي مقارنة تُجانب الصواب، سواء في السياق التاريخي أو باعتماد الحقيقتين الرياضية والسياسية.

 

فوصول جون ماري لوبآن عن حزب الجبهة الوطنية إلى الدور الثاني في رئاسيات فرنسا لسنة 2002 شكل مفاجأة وصدمة كبيرة أشعلت الشارع الفرنسي بالخروج في مسيرات احتجاجية ضخمة، في حين إن وصول ابنته مارين إلى الدور ذاته في سنة 2017 اعتبر عملية ديمقراطية لا تُهدد مبادئ الجمهورية!

 

وباعتمادنا للحقيقة العددية نجد أن حزب “عائلة لوبان” اقـترب في ثُنائي شيراك/لوبان الأب في ماي 2002 من 18%، أما ثنائي ماريـن/ماكرون، فقد اقتربت في 2017 من نسبة 22 %، مما يؤكد حقيقة مرة وهي تمدد مبادئ اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي، وأن اليمين المتطرف حقـق هـوامش مهمة في عهد ماريـن.

 

بينما الحقيقة السياسية الأولى هي استغلال كل من “لوبن الأب” لأحداث 11 سبتمبر 2001، واستغلال “ابنته مارين” للأحداث الإرهابية في السنوات الأخيرة، وقبلها بثلاثة أيام فقط على موعد الدور الأول (23 أبريل)، لتأثيث خطاب الخوف والكراهية واحتكار الدفاع عن الهوية الوطنية وكذا إجراءات الحماية.

 

أما الحقيقة السياسية الثانية، فهي اكتساح شيراك وحزب التجمع من أجل الجمهورية في الدور الثاني في ماي 2002 بنسبة فاقت 82 %، وهي أعلى نسبة سجلتها الانتخابات الفرنسية، ويُعزى هـذا الى تحالف كل التيارات السياسية ضد هـذا “الفاعل الحزبي” المرفوض لعنصريته ولشعبويتة.

 

أمام هـذه المعطيات يمكننا طرح سؤال: هل سنعيش الحدث السياسي نفسه بتحالف كل القوى الديمقراطية الليبرالية واليسارية والبيئية وأحزاب وسط اليمين ووسط اليسار ضد حزب عائلة لوبن يوم 7 ماي 2017؟

 

بعد تأمل المعطيات الميدانية ورغم كل التوجسات، نجد أنها تتجه نحو انتصار سياسي بفـوز ايمانويل ماكرون (39 سنة) برئاسة الجمهورية من جهة، وبانتصار عددي لفائـدة مارين لوبن بنسبة تلامس 18 % في 7 ماي 2017! ورغم هذه النتيجة فـلا يُمكن القول بتشابـه تجربتي الانتخابات في 2017 و2002.

 

أولا، لأن جاك شيراك كان زعيم حزب سياسي تقليدي، هو حزب التجمع من أجل الجمهورية، أما ماكرون فهو زعيم حركة احتجاجية لا يمينية ولا يسارية.

 

وثانيا، لأن هدف ايمانويل ماكرون من الوصول إلى قصر الإليزيه لـيس فقط هو الرئاسة بل الحكم أيضا، وهو ما يلزمه بإقامة تحالفات سياسية والمشاركة في تشريعيات يونيـو 2017؛ وهو أمر لم يكن مطروحا في عهد شيراك لكونه زعيم حزب سياسي مهيكل !

 

لذلك سيكون ماكرون وحركته “إلى الأمام”، أو “ماضون إلى الأمام”، أمام اختيارات مفصلية بعد تمرين يـوم 7 ماي، أي تشكيل الحكومة وكسب مقاعد بالجمعية العمومية (البرلمان الفرنسي)؛ وذلك بالمشاركة في تشريعيات يونيو 2017، مما يطرح التساؤل حول إمكانية تأسيسه لحزب سياسي جديد مثلما فعلت حركة بـوديموس بإسبانيا، أو الإبقاء عليها كحركة دون لبـاس حزبي والمشاركة بها في انتخابات يونيو القادم كما فعلت حركة غـريللو (خمسة نجوم) بإيطاليا، أو هناك طريق ثـالث…؟

 

إن الشاب إيمانويل ماركون له قـدرة على التواصل وثروة مالية مهمة، لـكـن عـزفه على آلـة البيانـو أكسبه القدرة على الإنصات والبحث عن الأداء المنسجم وتجنب “النوتة النشاز”؛ فهو إذن في حال فوزه بالدور الثاني سيكتب تـاريخ فـرنسا الحديث، وسيكون أصغر رئيس فـرنسي، وأول رئيس يخرج من رحم حركة احتجاجية وليس تنظيم حزبي كلاسيكي مهيكل.

 

وبعيـدا عن أي شـرح سياسي مفـرط، فإن ايمانويل ماكرون بوضعه لباقـة ورد يوم الفاتح ماي 2017 على قنطرة نهر السين في ذكرى قتل المهاجر المغربي ابراهيم بوعرام في فاتح ماي 1995 من طرف متطرفين قريبين من حزب مارين لوبن، فهو يوجه بذلك رسالـة مهمة لمصالحة الـذاكرة الجماعية وعـربونا سياسيـا وإنسانيـا في التعايش المشترك…