• خالد بنحمان

 

مكالمة مفاجئة وودية ذات طعم خاص تلقيتها في حوالي الساعة العاشرة ليلة الجمعة الفارطة من سيدة يبقى رأيها في حراك الحسيمة حاسما ومفصليا. إنها عائشة الخطابي إبنة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي. سألتني عن وجهتي نظري حول مدى تفاعل الرأي العام بالريف مع رسالتها  بالإيجاب أو السلب بخصوص مسار الحراك الذي اتخذ مظاهر اتسمت باللبس والضبابية أحيانا وغلبت عليه العاطفة قبل العقل… في الحقيقة كانت صور ومشاهد ما يقع بالريف والحسيمة بالدرجة الأولى تطرح لدي أكثر من علامة استفهام ولعل نجلة الخطابي ساعدتني على فك طلاسم أسئلة كثيرة حين أكدت لي بعظمة لسانها وهي تدعوني لزيارتها أن الزعيم الخطابي لم يكن متعصبا ولم يكن ليدفع بالريفيين لمواجهات وتدافع مثلما نشهده في هذه اللحظة… فهل سيتم إدراجها هي أيضا في قائمة الخونة وخدام المخزن والمسترزقين أيضا…..كفى توظيفا لرجالات الريف في مواجهة تفتقد للتوازن والحكمة واستعيدوا شريط الأمس فقد يغنينا عن تبعات سلوك أفراد نحترم رأيهم طبعا لكن يجب أن يحترموا رأي الأغلبية الساحقة من ساكنة الريف التي اجتمعت كلمتها كما اجتمعت كلمة كافة المغاربة إثر حادثة مقتل محسن فكري ولم تتوانى للحظة في التأكيد على ضرورة ضمان تحقيق نزيه ومحاكمة عادلة للمتورطين مهما كانت درجات مسؤولياتهم. لكن هذه الجموع ومع توالي الأيام تبين لها وبرزانة لا تحتاج لكثير من التفكير أن أمورا ليست على ما يرام  تجري وتسري تحت جسر هذا الحراك الذي اتخذ مستويات واتجاهات كان لابد من وضعها تحت مجهر قراءة متأنية وعميقة لا تتأثر بشعور العاطفة التي ربما خانتنا في لحظة من لحظات التضامن مع أسرة فقيد الحكرة محسن فكري.

 

مطالب ساكنة الريف تبقى مشروعة ولن يختلف حولها اثنان وسقف الانتظارات يبقى مرتفعا بناءا على الفوارق المجالية  لتراكمات عقود من النسيان والإفراط في التدبير الأمني الناتج عن تكريس عدم الثقة بين المركز والريف وطبعا تبقى مبادرات ملك البلاد و التفاتته اتجاه المنطقة و عطفه على ساكنتها إحدى مداخل إعادة الدفئ المفقود و تعزيز توجه تنموي هم مجالات كثيرة تستشرق مستقبل ريف مغاير عن سابقه، هي رسالة لمن يهمه الأمر من بقايا طابور ظل يتلمس منافذ تبخيس ما بذل على مدى العقد الأخير فراح ينبش هنا وهناك أملا في إيجاد موضع قدم لاستمالة متعاطفين من جيل شباب حكمت  عليهم ظروف وضع اجتماعي واقتصادي بالعطالة مثلما حكمت على شباب هذا الوطن على امتداد جغرافيته.

 

نكاد نتفق على أن ما تحقق يبقى في حاجة إلى التثمين ومضاعفة الجهود بغية الارتقاء بمنطقة الريف إلى مراتب تؤهلها لأن تكون قاطرة المملكة جنوب غرب المتوسط وسنتفق أيضا بكون مشاريع إستراتيجية أنجز بعضها و يوجد بعضها الآخر قيد الانجاز تتطلب كفاءة عالية وجدية وتفاني في تدبيرها و جعلها منتجة للثروة سواء بالحسيمة أو بالناظور كما يقع على عاتق الدولة إعمال ما يكفي من الضمانات لتحقيق النجاعة  والمردودية المطلوبة بعد كل هذه الأشواط التي جاءت كتعبير واضح يعكس حسن نية المؤسسة الملكية في التعاطي مع الريف بحس مسؤول و بلغة يطبعها الإنصاف الذي يتيح العدالة المجالية بين كل الأقاليم بما يتوافق مع مؤهلاتها.

 

حراك الحسيمة في نسخته الموالية لمقتل محسن فكري كان قيمة مضافة أكدت وعيا مجتمعيا يرفض كل مظاهر الشطط في استعمال السلطة وعكست الخرجات الشعبية بحواضر الريف هذا الوعي بأسلوب حضاري راقي تابعته فرق الأمن دون عناء أو جهد فكان جوابا لخصوم المغرب بأن للمغاربة والريفيين بشكل خاص قناعاتهم التي لا تتزعزع اتجاه وطن قام على أكتافهم في لحظات عصيبة من تاريخ الكفاح وليسوا مستعدين لهدم بنيانه في لحظة غضب معينة، و هاهي نجلة الزعيم محمد بن عبد الكرين الخطابي عائشة تختار مناسبة رحيل والدها وصانع ملحمة أنوال لترد بقوة على كل من جعل من بطولة بطل الريف حصان طراودة لتحقيق احلام مؤجلة تختفي وتظهر مع كل هبة ريح عابرة. لقد جاء جواب عائشة الخطابي الذي تناقلته منابر الإعلام لتضع حدا أمام جميع من ألصق بالحراك إسم الخطابي كعلامة مسجلة وسوقها لتحقيق تعبئة خرجت عن مقاصدها الأولى المتمثلة في التضامن مع أسرة محسن فكري ثم صيانة الكرامة الإنسانية، هي شهادة من قلب الحدث ومن داخل بيت الزعيم ليست بحاجة إلى توضيح أو شروحات أكثر مما حملته من إشارات ينبغي التقاطها والعمل بها من لدن من ظل يوزع صكوك الغفران ويلبس تهم خيانة الريف متى وأينما شاء.

 

وطبعا لن أتفاجأ إذا انضاف إسمي إلى لائحة الخونة فقد أضحت تهمة سنتدافع لنيلها بحب وعشق مادامت ستتيح لنا الجلوس في نفس الصف الذي تجلس  فيه عائشة الخطابي أطال الله في عمرها.