الدكتور عبدالله بوصوف : الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج.

 

ذهب أغلب المحللين إلى القول بأن مضمون شعارات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية سيطالها التعديل في مضمونها أو التهذيب في أسلوبها أو حتى التأجيل ومن بعد النسيان، بمجرد تنصيبه ساكنا جديدا للبيت الأبيض في 21 يناير 2017.

 

ويبدو أن رفعه لشعار “السياسة الحمائية ” لم يكن فقط ضرورة انتخابية، أو عزفا شاذا على وتر تحسين حياة المواطن الأمريكي من خلال تحصين الاقتصاد ومحاربة الهجرة وتوفير فرص الشغل وتغيير المنظومة الصحية “أوباما كير”، إلى محاربة الإرهاب وبناء سور حُدُودي مع المكسيك وأيضا إلغاء اتفاقية التجارة مع دول المحيط الهادي.. وغير ذلك…

 

ففي 27 يناير 2017، ومرور أسبوع واحد فقط على تنصيبه رئيسا لأمريكا في 21 يناير، سيُصدر دونالد ترامب “مرسوما تنفيذيا ” يتضمن توقيف دخول مواطنين من سبع دول إسلامية وهي العراق وإيران والسودان واليمن وليبيا وسوريا والصومال، لمدة 90 يوما و120 يوما بالنسبة إلى اللاجئين، أما اللاجئون السوريون فالمنع لمدة غير مُحددة…!!

 

قرار المنع أيقظ بركانا نائما من الانتقادات وصلت إلى حد شدً الحبل بين القضاء الفيدرالي الأمريكي وبين الرئيس ترامب، وهكذا سيُلْغي جيمس رُوبارت القاضي الفيدرالي عن محكمة سيياتل العمل بمرسوم ترامب، لتبدأ معركة قضائية في أكثر من محكمة استئناف كمحكمة واشنطن وسان فرانسيسكو، التي أيدت قرار إلغاء مرسوم ترامب الذي لم يهضم بعد ردة فعل القضاء الفيدرالي.. !

 

لم تقف إدارة ترامب مكتوفة الأيدي، بل أصدرت مذكرة حكومية إلى القضاة مفادها أن “القرار التنفيذي” هو قرار قانوني ويدخل ضمن تنفيذ اختصاصات الرئيس الخاصة بدخول الأجانب وقبول اللاجئين…

 

الأكثر من هذا هو أن الرئيس ترامب يعتبر أمن أمريكا في خطر. ولهذا، فقد صرح بعدم رغبته في الالتجاء إلى المحكمة العليا، وسيتم إصدار “مرسوم تنفيدي مُكرر” في بحر الأسبوع المقبل..

 

لم يكن الجهاز القضائي وحده الرافض لقرار منع دخول مواطني دول إسلامية، بل انضم إليهم العديد من الجمعيات الحقوقية والمدنية ووزراء خارجية سابقون كجون كيري ومادلين أولبرايت… بالإضافة إلى 16 ولاية أمريكية، بما فيها نيويورك وكاليفورنيا وأيضا رجال دين مسيحيون ممن اعتبروا قرار ترامب يخالف قيم المسيحية..

 

طابور لائحة الرافضين لقرار ترامب ضمّ جمهور الويب، وخاصة الفايسبوك وغوغل وأبل… وأيضا “جمعية الجامعات الأمريكية” التي دعت الرئيس ترامب إلى توضيح الصورة للعالم وأن أمريكا ستواصل استقبال الموهوبين في العالم للدراسة وللتدريس وفي أعمال البحث العلمي والتمتع بمنحات جامعية… كما اعتبرت الجمعية نفسها أن الجامعة لديها واجب تعزيز قيم المجتمع الأمريكي بدون تفرقة وبدون عنصرية يكون أساسها العرق أو الجنس أو الاعتقاد الديني أو التوجه السياسي…

 

المحامون أيضا شكلوا فرقا مُرابطة بالمطارات الأمريكية لتقديم الدعم “لضحايا” قرار ترامب… أما “اتحاد سيارات الأجرة بنيويورك” فقد علق رحلاته إلى مطار كينيدي بالمدينة رفضا لمرسوم ترامب…

 

لم يتغيب الإعلام الأمريكي عن الحدث بتقديمه للعشرات من التحليلات، تناولت قرار ترامب سواء من حيث طبيعة لائحة الدول السبع الممنوعة أو عدم إدراج دول أخرى كانت لها علاقة من بعيد أو من قريب مع أحداث إرهابية… كما ذهبت تحليلات أخرى إلى أن قرار ترامب تنبعث منه رائحة العنصرية وتنازع المصالح…!!

 

وجاء في افتتاحية جريدة “الغارديان” الشهيرة “إن أمريكا بُينتْ في جزء كبير منها من عرق وعبقرية المهاجرين واللاجئين. المسلمون الأمريكيون، مهاجرين أو مزدادين بأمريكا، يُشكلون نسيج هذه الأمة وجُزءا يجعل من أمريكا عظيمة”.

 

وعلى العموم، يُمكن اعتبار قرار ترامب وما أثاره من عاصفة نقدية وقضائية كبيرة وتضامن إنساني من لدن أفراد وجمعيات حقوقية أمريكية دعوة إلى فتح النقاش حول قوة المراسيم الرئاسية أمام القوانين مثلا.. كما يُمكن التساؤل حول مسألة عدم استهلاك كل درجات التقاضي، بما فيها المحكمة العُليا الأمريكية من لدن إدارة ترامب.. وهل يعني هذا تجاهلا للسلطة القضائية… وهُنا سيُثار موضوع فصل السلط؟ أم هو فقط استعجال تُمليه ضرورات أمنية

 

لعبة القبضة الحديدية بين الرئيس ترامب وبين القضاء الفيدرالي الأمريكي فتحت شهية النقاش للعديد من الباحثين والمهتمين وهل يُمكن اعتبار قرار ترامب إعلانا عن نهاية فترة تميزت بالتضامن واستقبال المهاجرين واللاجئين، امتدت منذ تنصيب تمثال الحرية على شواطئ نيويورك في بداية القرن العشرين؟

 

فالعديد من المحتجين على قرار ترامب رفعوا لافتات بها أشعار للشاعرة الأمريكية ذات الأصل اليهودي إيما لازاروس والمُثبتة في لوحة برونزية في قاعدة تمثال الحرية منذ 1903.. وهي أشعار بغض النظر عن أسباب كتابتها سنة 1883 فهي ذات حمولة إنسانية، وشكلت دعوة صريحة بقولها…”أعطوني مُتعبيكم، فقرئكم، جموعكم الباردة الراغبة في الاستنشاق بحرية، نفايات شواطئكم الآهلة… أرسلوهم لي… بدون مأوى… وأنا سأحمل عاليا شُعلتي على الباب الذهبي”…

 

فصُور مواطنين من دول إسلامية عالقين بمطار نيويورك، أو أخبار عن ترحيل السيدة المكسيكية غوادلوب غارسيا (35 سنة) بعد قضائها لحوالي 21 سنة بولاية أريزونا تاركة وراءها طفليْن ازدادا بأمريكا، هي بحق مواقف تستفز كل ضمير إنساني حي وتُشوّه الصورة النمطية عن بلاد “العم سام” كأرض للحرية والتضامن والعدالة… وتقترب لغرابتها من أفلام هوليود كفيلم “دو تيرمنال” لمخرجه ستيفن سبيلبيرغ سنة 2004، حيث جسد الممثل الكبير طوم هانكس دور المواطن الكرواتي العالق بمطار نيويورك بعد إلغاء تأشيرته عقب انقلاب في بلاده…!

 

إننا لا نرغب في أن تتحول أمريكا “الحُلم” وموطن العديد من مغاربة العالم من بلد لتحقيق الأحلام والأمنيات إلى كابوس بأسلاك أمنية وأشواك عنصرية…